محمد بن سليمان الحضرمي
مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي، جامعة نزوى
تشهد جزر القمر خلال الأسبوعين الجاريين فعالية "الأيَّام العُمانيّة القمريَّة"، بتنظيم من مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العرابيَّة بجامعة نزوى، ومكتبة الندوة الأهلية ببهلا، وبيت الغشام للنشر والترجمة، ومن جزر القمر تشارك مؤسسة الوفاء للتنمية والأعمال الإنسانية في هذا التنظيم، وحول هذه الفعالية أجرى عمان الثقافي حوارا مع الدكتور المفكر حامد كرهيلا، تحدث فيه عن أهمية إقامة هذه الفعالية، كما تحدث أيضا عن الوجود العُماني القديم في هذه الجزر، والعلاقة الحضارية والمعاصرة بين السلطنة وجمهورية جزر القمر المتحدة.
حصل كرهيلا على الدّكتوراه في الدراسات الإسلامية، حملت أطروحته عنوان "أثر
الإسلام في تشكيل السلوك الاجتماعي في جزر القمر"، وتقلَّد عدة مناصب في الحكومة القمرية ويعد ناشطا سياسيا، وباحثا
مهتما بالتاريخ العربي في شرق أفريقيا، أصدر خمسة كتب عن العلاقات التاريخية
العربية بجزر القمر، وفيما يخص العلاقة الحضارية العُمانية القمرية صدر له كتاب
بعنوان "العلاقات التاريخية العُمانية بين الدّولة البوسعيديَّة وجزر القمر"، وكذلك
كتاب "صراع الحب والسّلطة السلطانة جومبيه فاطمة (1841 - 1878م)"، و"التنافس
العُماني الفرنسي على جزيرة موهيلي القمريّة"، وغيرها من الكتب التي تبحث في الشأن
القمري، وإلى جانب ذلك فهو عضو مؤسس لمؤسسة الوفاء للتنمية والأعمال الإنسانية، حيث
يعمل فيها عضوا في مجلس الإدارة، وعضوا مؤسسا في اتحاد علماء
أفريقيا.
- ماذا يعني لكم إقامة فعالية ثقافية عمانية في بلدكم جزر
القمر؟
هذه الفعالية تعني لنا الشي الكثير، لأنها تشكل عودة حميدة للأصالة والتواصل
مع الشعب العماني الشقيق، الذي كان بيننا وبينه علاقات متأصلة، تعود إلى عمق
التاريخ، وجزر القمر حكومة وشعبا سعيدة بهذه الفعالية التي تشكل سابقة هي الأولى من
نوعها في تاريخ بلادنا.
- كيف خططتم لإنجاح هذه الفعالية في جزر القمر مع الجهات
العمانية المنظمة؟
أولا وقبل كل شيء مؤسسة الوفاء هي مؤسسة أهلية أخذت على عاتقها مهمة تعريب
وإحياء الثقافة الإسلامية في هذه البلاد، ومن أنشطتها إقامة منتديات باللغة
العربية، وهي الأولى من نوعها في تاريخ بلادنا، لأننا تعودنا أن تكون المحاضرات
والأنشطة التي نقدمها كلها باللغة المحلية واللهجة القمرية، ومنذ سنتين بدأنا في
مؤسسة الوفاء بتقديم ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية باللغة العربية، من هنا كان
تواصلنا مع الأشقاء في السلطنة، من أجل إقامة هذا النشاط، والذي سيكون له أثر كبير
في بلادنا.
أول فعالية
عربية
-
هل هي أول فعالية تنظمها مؤسسة الوفاء مع وفد من خارج
الجزر؟
نعم هي أول فعالية عمانية وعربية، لكن لدينا فعاليات محلية، عبارة عن محاضرات
وندوات كما أننا نحتفل سنويا بيوم اللغة العربية، وهذه مناسبة نحتفل بها
سنويا.
- بخصوص التعريب والعودة إلى العربية، حدثنا عن الجهود التي
تبذلونها إزاء هذا الشأن؟
هناك جهود حكومة رسمية، من قبل مؤسسات الدولة لتحقيق هذا الغرض، أما ما نقوم
به كجمعية من جمعيات المجتمع المدني فإننا نبذل ما في وسعنا، من أجل التعريب وخاصة
في إقامة دورات باللغة العربية، ومحاضرات إلى جانب اهتمامنا بكتابة التاريخ العربي
في هذه البلاد.
علاقة قديمة
وأصيلة
- أنت أحد الكتّاب الذين كتبوا عن العلاقة بين عُمان وجزر
القمر، حدثنا عن تجربتك في هذا الجانب، وعن طبيعة هذه العلاقة، وكيف توصِّفها
تاريخيا؟
هذه العلاقة بالفعل علاقة قديمة وأصيلة، ولقد وقفت على بعض جوانبها، عندما
كنت أكتب عن أثر الإسلام في تشكيل السلوك الاجتماعي في جزر القمر، ومن خلال هذا
البحث المتواضع بدأت أقف وأكتشف عن العلاقة القديمة بين عمان وجزر القمر، ووجدت
بالفعل محطات مهمة ينبغي إعادة صياغتها، لكي تكون في متناول
الجميع.
- هل لديكم معرفة عن أول مرة دخل فيها العمانيون جزر القمر؟
وهل قاموا بنشر رسالة الإسلام؟
الوثائق المتوفرة تشير إلى علاقة العمانيين بالجزر، قبل الإسلام، وبعد دخول
الإسلام، كما توافدت إلى جزر القمر هجرات عمانية إلى الجزر، وقد ذكرت تفاصيل هذه
الجانب في كتابي حول العلاقات العمانية والقمرية، وكان لهم جهود جبارة في نشر
الإسلام، وقد وقفت على رسائل فرنسية، وهي ليست أكثر من تقارير إدارية واستخباراتية،
تتهم الوجود العماني بمحاولة أسلمة الجزر، ونشر الإسلام، وهذه شهادة فرنسية تفيد أن
الدولة العمانية لم يكن لديها أطماع توسعية، بقدر ما كان لها رسالة إسلامية
سامية.
- متى دخل الإسلام جزر
القمر؟
دخل الإسلام الجزر في أواخر القرن الأول الهجري، وهناك من يذهب إلى القول أن
العمانيين هم أول من أدخل الاسلام إلى جزر القمر، وذلك في فترة حكم سليمان وسعيد
ابني عباد بن عبد بن الجلندى، وهناك مؤرخ قمري أشار إلى أن اٌسلام دخل الجزر ما بين
82 و 92هـ.
العربية لغة
التعليم
- وبالنسبة للغة العربية متى سادت هنا في
الجزر؟
اللغة العربية كان لها وجودها في الجزر مثل فترة مبكرة، حيث كانت هي اللغة
الرسمية، واللغة الإدارية، ولغة الدواوين، ولغة التعليم، وحتى المكاتبات بين الجزر
والفرنسية عندما دخلوا محتلين هذه البلاد، كتبت باللغة العربية، ثم تترجم ثانية إلى
اللغة الفرنسية.
- ألا تشعرون أنكم تأخرتم في إقامة علاقة مباشرة مع النخبة
المثقفة العمانية؟
نعم هذه أول مرة يزورنا فيها مثقفون، ولكن تواصلنا مع عمان لم تنقطع، هناك
تواصل دائم، بين السلطنة والجزر، منذ فجر حصول الجزر على استقلالها، وكان ذلك في
عام 1975م، وعمان وقفت بجانبنا ماديا وأدبيا وسياسيا واقتصاديا، عمان لم تكنن غريبة
علينا، ونحن نعيش التأثير العماني حتى اليوم، وسعداء بهذا التأثير، حيث تجد هذا
التأثير في الزي الذي نلبسه، والعادات والتقاليد.
- بصفتك أحد الباحثين في العلاقات العمانية القمرية حدثنا
عن التأثير العماني في جزر القمر؟
التأثير العُماني علينا كبير جدا، وهو ملحوظ وملموس، ويذهب ذلك في كل شيء، في
العادات الاجتماعية واللغة والأزياء والفكر والثقافة، بل إننا نجد أسماء قمرية تحمل
مسميات عمانية، مثل (من صور)، ويعني أن هذا الرجل قدم من مدينة صور العمانية،
وعندنا أكثر من شخص يسمون مسقط، وعندنا قبيلة وأسرة، ولدينا قبيلة تسمى (وادي سما)،
نسبة إلى وادي سمائل في محافظة الداخلية بالسلطنة، وكثير من القبائل العمانية ما
تزال تحمل اسماءها القديمة، وهذا يدل على الترابط القديم بين الإنسان العماني وأخيه
الإنسان القمري، بالإضافة إلى وجود أثر سياسي، فقبل الاستعمار كان لدينا نظام
السلطانات، وكل جزيرة من جزر القمر لديها سلطان يحكمها، وأثبت التاريخ بأن جزيرة
"مايوت"، وهي إحدى جزر القمر، حكمها النباهنة العمانيون مدة تصل إلى أكثر من قرن من
الزمان، ثم جاء المناذرة بعدهم، وتوجد لدينا مصادر تفيد عن وجود اتصالات بين
السلاطين القمريين ودولة اليعاربة
العمانية.
أحفاد العُمانيين في
الجزر
- هل لديكم قبائل عمانية ما تزال تحمل ذات الاسم
العُماني؟
نعم، لدينا الكثير من القبائل العمانية، أصولها عمانية، وما يزال أحفاد
العمانيين الأوائل الذين عاشوا في الجزر موجودين حتى اليوم، ولكن الإشكالية التي
وقعنا فيها أنه حدث منع في فترة من الفترات الانتساب إلى القبيلة، حفاظا على الوحدة
الوطنية، ومن هنا يصبح الآن من الصعوبة بمكان أن نميز ونعرف أن هذا الشخص من أي
قبيلة ينتمي، لقد ذابت مسميات القبائل، وتداخلت مع بعضها بحكم التزاوج، وعدم
الاعتراف بالقبيلة، بسبب رغبة الحكومة في توحيد الناس، وحفاظا على الوحدة الوطنية،
وإلا فالتواصل مع عمان موجود بشكل كبير.
- نعود إلى الفعالية التي تنظمها مؤسسات عمانية في جزر
القمر هذه الأيام، وحملت عنوان (الأيام العمانية القمرية)، ما هو الدور الذي قامت
به مؤسسة الوفاء للتنمية والأعمال الإنسانية؟
فور تلقينا الخبر من أصدقائنا العُمانيين، بدأنا في اتصالاتنا مع الجهات
المختصة في الجزر، وخاصة وزارة التعليم العالي والشباب والثقافة، فهي الجهة الرسمية
الراعية للشأن الثقافي في الجزر، فتجاوب معنا معالي محمد إسماعيل، وزير التعليم
العالي والشباب والثقافة، فتشكلت لجنة تنظيمية مشتركة بين مؤسسة الوفاء وبين
الوزارة، ونحن منذ شهرين نستعد ونحضر لهذا العرس الثقافي الذي أنتم قادمون
به.
الوفد العُماني يلتقي رئيس
البرلمان القمري:
وكان الوفد العُماني
المكوَّن من مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي بجامعة نزوى، ومكتبة الندوة ببهلا، وبيت
الغشام، وعددٍ من الأكاديميّين من جامعة نزوى، والأدباء والمثقفين والإعلاميين
العُمانيّين، قد التقى عددًا من المسؤولين في جمهوريَّة جزر القمر، حيث التقوا أمس
رئيس البرلمان القمري معالي الأستاذ برهان حامد، وعددًا من المسؤولين والمثّقفين في
جزر القمر، وزار الوفد عددًا من المؤسسات القمرية والسوق الشعبيَّة للجزر. ويشارك
من الجامعة إلى جانب مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية في الأيام
الثقافية العُمانيّة القمرية الدُّكتور سليمان بن سالم الحسيني -مدير معهد
التَّأسيس في الجامعة-، والدكتور عبدالله الغافري -مدير وحدة الأفلاج بكلية العلوم
والآداب بالجامعة-، والفاضل سيف الحارثي -من دائرة الشؤون الماليَّة-، والفاضل
سليمان الصقري -من الدعم الفني بمركز نظم المعلومات
بالجامعة.
No comments:
Post a Comment