د.عبدالملك عبدالله الهنائي
جريدة عمان، 14 يوليو 2025
تعود العلاقة بين عمان و شرق أفريقيا إلى عصور موغلة في التاريخ، لكننا لا نعرف عن بداياتها سوى ما وصلنا عن لجوء ملكي عمان سليمان وسعيد ابني عباد بن عبد بن الجلندى إلى تلك البلاد على إثر قيام الأمويين بإخضاع عمان لسلطتهم، وذلك في القرن الأول الهجري، أي السابع الميلادي. لكني لستُ هنا بصدد الكتابة عن تاريخ العلاقة بين عمان وشرق أفريقيا؛ فقد كُتب الكثير عن هذا الموضوع، ورفوف المكتبات وشبكة الإنترنت بها عدد هائل من الصفحات التي كتبها خبراء وباحثون ورحالة وصحفيون ومغامرون.
ما أردت الكتابة عنه جانب مما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين عمان وذلك الجزء من العالم، وتحديدا مع زنجبار التي هي اليوم جزء من جمهورية تنزانيا المتحدة حيث مازال كثير من العمانيين يرتبطون معها بعلاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية وثيقة. وهنا يجب التأكيد على أن زنجبار جزء من جمهورية تنزانيا المتحدة، ويجب التعامل معها على ذلك الأساس؛ تجنبا لأي التباس قد يعكر صفو العلاقة بين عمان وتنزانيا.
حتى عهد قريب لاسيما قبل ظهور «الترمبية» -إن صح التعبير- كانت هناك ثلاث أسس للعلاقات بين الدول؛ فهي تكون على أساس المصالح المشتركة وهو الغالب، أو على أساس أيديولوجي مثل العلاقات التي تطورت بين بعض الدول خلال فترة الحرب الباردة، أو أنها تقوم في جانب منها على الأخلاق والقيم الإنسانية، مثل: احترام مبادئ حقوق الإنسان، والعدالة، والسلم العالمي وغير ذلك.
وفيما يتعلق بمستقبل علاقات عمان مع زنجبار خاصة، ومع تنزانيا عامة -وهو موضوع هذا المقال-؛ فإنني أرى أنه لا بد أن تؤسّس على عاملين اثنين، وبشكل متوزان، وهما عامل الأخلاق والقيم الإنسانية، وعامل المصالح المشتركة. وليس من التحيز لبلدي أو مجانبة للحقيقة القول: إن عمان هي من الدول النادرة في العالم التي مازالت تضع وزنا كبيرا لعامل الأخلاق والقيم الإنسانية في علاقاتها الدولية. ولما كان الأمر كذلك فإن جعل هذا العامل في المقدمة في العلاقة مع جمهورية تنزانيا مهم من النواحي السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
صحيح أن هناك من العمليين، أو البراجماتيين من يضعون المصالح المشتركة في مقدمة أسس العلاقة بين الدول، لكن العلاقة مع زنجبار تحتم أن تكون الأخلاق والقيم الإنسانية في المقدمة. ربما نحتاج إلى الرجوع إلى جانب من التاريخ غير البعيد لشرح وجهة نظرنا هذه، ولتقريب الموضوع إلى القراء الكرام.
نعرف أنه في ثلاثينيات التاسع عشر الميلادي نقل السيد سعيد بن سلطان عاصمة حكمه من مسقط إلى زنجبار؛ لأسباب كثيرة لا يتسع المقال لذكرها، وإن كانت الأسباب الاقتصادية هي الأبرز. وخلال فترة حكم السيد سعيد ازدهرت التجارة بين عمان وشرق أفريقيا، وزادت إيرادات عمان المالية، سواء من إيرادات الجمارك، أو من الصادرات من المنتجات الزراعية. صحيح أنه كان لعمان إيرادات مالية من موانئ ومناطق أخرى، مثل: مسقط، وبندر عباس، وجوادر، لكن معظم إيرادات الدولة العمانية في ذلك الوقت كان مصدره شرق أفريقيا، خاصة زنجبار. وعندما توفي السيد سعيد بن سلطان واختلف أبناؤه على حكم الإمبراطورية قلّت موارد عمان الاقتصادية، وتأثرت إيراداتها المالية بصورة كبيرة، وأثر ذلك على استقرارها السياسي والاجتماعي.
المعلوم أن أبناء السيد سعيد بن سلطان اتفقوا بعد فترة من وفاة والدهم على تقسيم الامبراطورية، وبموجب الاتفاق التزم الجانب الأفريقي بتقديم معونة مالية سنوية لعمان قدرها أربعون ألف قرش فضة من عملة ماريا تيريزا، وقد سميت «معونة زنجبار»، وبقيت حكومة زنجبار تدفع تلك المعونة لسنوات طويلة. وبدراسة اقتصاد زنجبار ومواردها الموالية في تلك الفترة نتحقق أنها جاءت من مصادر داخلية، وليس ريعا يأتي من الخارج.
وأهم تلك المصادر الضرائب، والرسوم الجمركية، والأيدي العاملة الرخيصة، خاصة في المزارع والموانئ والأنشطة التجارية، وهو ما يؤكد أنه من الواجب جعل عامل الأخلاق والقيم الإنسانية في مقدمة الأسس التي تبنى عليها العلاقة بين عمان وتلك البلاد.
أما الأساس الثاني في العلاقة بين الجانبين فهو المصالح المشتركة. المعروف أن عمان قدمت ولازالت تقدم كثيرا من المساعدات لزنجبار، سواء لترميم الآثار، أو في تحسين البنية الأساسية فيها، كما أنه مازال لبعض العمانيين حاليا مصالح اقتصادية هناك، سواء كان ذلك في قطاع العقار، أو في قطاع السياحة أو غيرها من القطاعات الاقتصادية، ومن المناسب تشجيع القطاع الخاص والقطاع الأهلي العماني، ممثلا في الجمعيات الخيرية، على زيادة النشاط التجاري و الاستثماري والخيري هناك.
ولا شك أن تنمية وتطوير العلاقة بين الجانبين سيساعد على منع آخرين ممن يحاولون تهميش استمرار الدور العماني في تلك البلاد. ولتنفيذ ذلك بمنهجية ومهنية عالية؛ لا بد من تبني برنامج تنموي مستدام وبأهداف واضحة للمديات القصيرة والمتوسطة والبعيدة. الهدف البرنامج المقترح المساعدة على إحداث تنمية شاملة ومستدامة في زنجبار؛ بحيث يركز على تمويل مشاريع في مجال التعليم، لاسيما التعليم الأساسي والمهني، وكذلك تمويل مشاريع القطاع الصحي، خاصة المراكز الصحية ومشاريع الصحة العامة.
كما أن البرنامج يجب أن يتضمن تمويل مشاريع للإسكان وفي البنية الأساسية، وبشكل خاص مشاريع الطرق التي تحتاج إلى تطوير واسع، لاسيما داخل مدينة زنجبار، إلى غير ذلك من مشاريع، سواء داخل المدن أو في الأرياف.
قد يتساءل البعض عن مدى كفاءة الجهاز الإداري في زنجبار لاستخدام موارد هذا البرنامج، وهو تساؤل في محله؛ لذلك من الأفضل التفاهم مع حكومة زنجبار على أولويات البرنامج والمشاريع التي ستمول، وأن تكون إدارة هذا البرنامج من سلطنة عُمان.
وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن نوع مشاريع البرنامج، وحجم تمويله، وكيفية إدارته؛ فإنه من الأهمية السياسية والدبلوماسية أن تتبنى سلطنة عمان برنامجا تنمويا طويل الأجل في زنجبار، وألا تترك تلك البقعة المهمة لها من العالم لتنبت فيها ضغائن الماضي، أو لترعرع عليها مكائد المستقبل.