أثير : الأربعاء 29 ابريل 2020
د. سليمان المحذوري
نظّمت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ندوة بعنوان “مسندم في ذاكرة التاريخ العُماني” في ولاية خصب بتاريخ 10و11 ديسمبر 2018م. في هذه الندوة المهمّة قُدّمت أوراق علميّة متنوعة لباحثين من داخل السلطنة وخارجها بهدف دراسة الأبعاد الجغرافيّة والتاريخيّة والحضاريّة لمحافظة مسندم خلال حقب زمنية مختلفة.
كان لي شرف المشاركة بورقة تحت عنوان “صورة مسندم في كتابات الرحّالة الغربيين خلال القرنين 19 و20 الميلاديين”؛ في محاولة لتسليط الضوء على أهم الرحّالة الأجانب الذي زاروا محافظة مسندم، وتحليل مضامين كتاباتهم من أجل استخلاص أبرز الإشارات حول الجوانب الطبيعيّة والجغرافية للمنطقة، ومعرفة أبرزالأنشطة الاقتصاديّة، وكذلك الأحوال السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة في مسندم خلال القرنين 19 و20م.
كما هو معلوم أنّ محافظة مسندم تقع في أقصى شمال عُمان، ومنذ القدم شكّلت أهمية استراتيجة بالغة؛ وذلك بتحكمها في واحد من أهم المضائق البحريّة العالميّة ألا وهو مضيق هرمز الذي اكتسب اسمه من جزيرة هرمز؛ وهي جزيرة صغيرة تقع عند الطرف الشمالي الشرقي لجزير قشم عند مدخل الخليج العربي، وبالتالي أضحت مسندم معبرًا للتجارة الدوليّة ما بين الشرق والغرب، وملتقى لأجناس بشريّة مختلفة، فضلًا على ثرواتها الطبيعيّة والاقتصاديّة. وفي هذا السياق يذكر د.سالم الحتروشي أنّ “محافظة مسندم تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة ليس على المستوى المحلي فحسب، وإنما على المستوى الإقليمي والدولي كذلك، فهذه المحافظة تطلّ على مضيق هرمز، ذلك الشريان الحيوي الذي يُعد من أكثر الممرات المائية الدولية أهمية في العالم، وبالتالي تُعد محافظة مسندم البوابة الشرقية لحركة التجارة والملاحة من وإلى الدول المطلة على الخليج العربي”.
ونتيجة لذلك ونظرًا لهذا الموقع الجغرافي الفريد؛ حظيت مسندم بزيارات لرحالة عرب وأجانب ودبلوماسيين خاصة من الأوروبين الذين سجّلوا ملاحظاتهم وتقاريرهم عن كل شيء في المنطقة تقريبًا وبشكل دقيق عن القرى والسكان على وجه الخصوص في محاولة لفهم هذا الجزء المهم من شبه الجزيرة العربية، وتاليًا رسم الخطط وفقًا للتوجهات الاستعمارية في منطقة المحيط الهندي.
في هذا المقال سأركّز على الجوانب الجغرافية والأوضاع السياسيّة لمسندم كما صورتها كتابات الرحّالة والدبلوماسيين خاصّة لآخر قرنين من الزمان. وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أود بدايةً أن أُشير إلى أنّ الرحلات الاستكشافية هي أداة مهمة في جمع المعلومات، وذلك من خلال تدوين التفاصيل الدقيقة عن المجتمعات المحلية بناءً على المشاهدة والوصف لحياة السكان، وتركيباتهم القبليّة، وحياتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة.
كما أنّ بعض الرحلات الاستكشافية حظيت بدعم وتمويل كبرى الشركات الغربية مثل شركة الهند الشرقية، إضافة إلى دعم الجمعيات الجغرافية، والبعثات التبشيرية بغرض تحقيق مآرب سياسيّة واقتصاديّة. مع ذلك كانت هنالك رحلات لأغراض سياحيّة وعلميّة. وفي هذا الصدد تذكر سوزان باسنت في تقديم كتاب عُمان في عيون الرحّالة البريطانيين لمؤلفه د.هلال الحجري أنّ “رحالة كل مرحلة كان لهم دافعهم الذي ميزهم عن غيرهم. من ذلك أنّ الذين أتوا في مطلع القرن 19م كان شغلهم الشاغل رسم خريطة الخليج الفارسي، ودراسة المياه وخصائصها في جنوب الجزيرة العربية، تلاهم رحالة كان حافزهم الرغبة في تعلّم المزيد عن سكان الداخل. وهناك منهم من يبدو أنهم دفعتهم الرغبة في اكتشاف المجهول، في حين نرى أنّ الرحالة الذين أتو حديثا كان اهتمامهم منصبًا في التحقق مما كان لعُمان من ثروة نفطية”.
والسؤال الذي يقفز إلى الذهن الآن هل يُمكن اعتبار كتابات الرحّالة مصدرًا تاريخيًا موثوقًا؟ في حقيقة الأمر تُعد مدونات الرحّالة مصدرًا مهمًا لا يُمكن للباحث تجاوزه لا سيما في ظل غياب أو شحّ المصادر المحلية مع ضرورة الانتباه إلى أهمية تمحيص تلك الكتابات؛ “ورغم أنّ بعض الكتابات تضمّنت مبالغات أو مغالطات أو تزييفًا للحقائق أو نظرة استعلائية؛ بيد أنّه من الإنصاف القول أنّ ثمة كتابات أخرى اتّسمت بموضوعية، ودقة في المعلومات مما شكلّ مادة علميّة غنية يمكن الاعتماد عليها في دراسات وأبحاث كثيرة”.
جغرافيًا تقع مسندم ضمن الإقليم المعروف بـاسم “الشميليّة” في أقصى شمال عُمان. وهي تُشكل الشمال الشرقي من الساحل العربي، والنقطة الجنوبية لمدخل الخليج العربي. دوّن الرحاّلة الإنجليزي لوو Low في كتابه “أرض الشمس” أن مسندم أخذت اسمها من الكلمة العربية عُظيمة السندان في الأذن. ويذكر القنصل البريطاني مايلز Miles أنّ المنطقة تُعرف برأس مسندم عند الأوروبيين نسبة إلى رأس جزيرة مسندم، وبرؤوس الجبال عند العرب. وسُميت بهذا الاسم لاحتضانها سلسلة جبال شاهقة ممتدة بشكل رأسي وملتوية شديدة الانحدار والوعورة. يقول لوريمر القنصل البريطاني أنّ رؤوس الجبال هو اسم لمقاطعة جبلية في سلطنة عُمان تُشكل الجزء الشمالي من رأس البرّ العُماني وخليج عُمان (بحر عُمان). ويحدّد – لوريمر- ساحل رؤوس الجبال بأنّه يبدأ من دبا على خليج (بحر) عُمان، وينتهي عند رأس شعم في الخليج العربي بعد التفافه حول رأس مسندم.
ووفقًا لوصف القنصل البريطاني مايلز في كتابه الخليج بلدانه وقبائله يضم رأس مسندم سلسلة من الصخور، والامتدادات الجبلية نحو البحر. وهذه المنطقة تكثر فيها المداخل والتجاويف، اثنان منهما يشكلان ميناءين واسعين يسميان خورشم (خليج ألفنستون)، وخور غبة الغزيرة (خليج مالكوم)، وتكون هذه الظواهر الطبيعية أكثر تعرجًا والتواءً كلما اقتربنا من نهاية الرأس، وأعلى قمتين هما جبل حريم، وجبل كيوي اللذين يرتفعان إلى علو 5.800 قدم. ويصف الضابط البريطاني ولستد تنوع تضاريس مسندم بقوله “في اعتقادي أنّه لا توجد في العالم مناطق كثيرة تعكس عدم انتظام في التضاريس كما في هذه المنطقة”.
من خلال مدونات وكتابات الرحّالة والدبلوماسيين يُمكننا استحضار صورة واضحة عن الأوضاع السياسيّة السائدة في مسندم خلال فترات زمنية متعاقبة. على سبيل المثال يقول مايلز “حدود سلطان مسقط تبدأ من شعم، وتشمل خصب وكمزار ودبا “. ويذكر لوريمر أنّه في عام 1859م قام المقيم السياسي البريطاني بجولة في منطقة رؤوس الجبال على متن فرقاطة بخارية زار خلالها بخاء وخصب وكمزار وغيرها من المناطق، وخرج بانطباع عامّ أنّ الأهالي يميلون إلى حكومة مسقط. وفي الكتاب الذي أعده كوك Cook بعنوان Survey of the Shores and Islands وُصفت كمزار بأنّها “من المناطق المأهولة، وشيخ هذه القرية محسوب على إمام مسقط”.
وفي ذات السياق قال ولستد الضابط الإنجليزي “أن للإمام – أي السيّد سعيد بن سلطان – قلعة في دبا”. وذكر لوريمر أنّ سلطان عُمان يحتفظ بوالي مع 15 عسكريا في خصب. كما أكّد كوك Cook أنّ سكان قرية خصب يتبعون إمام مسقط، وأنّ شيخ بخاء الذي يتبعه ما بين 1200 إلى 1500 شخص يتبع إمام مسقط.
ختامًا قدمت هذه الندوة التي أشرت لها في بداية المقال أبحاثًا علميّة مهمة وثّقت جوانب عديدة تتعلق بمحافظة مسندم، كما خرجت بتوصيات يُمكن استثمارها لفائدة المحافظة.
المصادر والمراجع:
• أمل الخنصوري(2017). عُمان في كتابات الرحّالة الأوروبيون في القرن التاسع عشر الميلادي. مسقط: دار الوراق.
• سالم الحتروشي (2007). مسندم عبر التاريخ، ط2، مسقط: المنتدى الأدبي.
• سالم الرواحي(2017). عُمان في عيون المستشرقين.ط1، المضيبي: روائع نور الاستقامة.
• لوريمر، ج.(1995). ج2(جغرافيا)، المجلد 1-7، لندن: دار غارنت للنشر.
• مايلز، س. ب (2016). الخليج بلدانه وقبائله، ترجمة محمد أمين عبدالله ، ط2، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
• هلال الحجري (2013). عُمان في عيون الرحالة البريطانيين. ترجمة د.خالد البلوشي، ط1، بيروت: دار الانتشار العربي.
• ولستد، جيمس ريموند (2002). تاريخ عُمان رحلة في شبه الجزيرة العربية. ط1، بيروت: دار الساقي.
• Cook,A.S.(1990)Survey of the Shores and Islands of the Persian Gulf 1820-1829.Vol.1, Archive Editions.
• Low, Charles Rathbone(1870). The Land Of The Sun : Sketches Of Travel, With Memoranda, Historical And Geographical, Of Places Of Interest In The East.