مركز بيروت للشرق الأوسط
1/6/2016
بقلم د. صالح محروس محمد
— كان المجتمع الزنجباري قبل الوجود البريطاني منصهراً في بوتقة واحدة يعيش في ظل الإسلام وتحت القيادة العربية على الرغم من تعدد طوائفه (عرب –أفارقة- هنود) ولكن مع الوجود البريطاني بدأت تزرع روح الطائفية التي وصلت مع نهاية الاحتلال البريطاني إلى صراع مسلح أدى إلى القضاء على العرب وعلى السلطنة العربية. ويؤكد هذه الحقيقة الهامة زيارة السيدة مار جرى برهام Margery Perham لزنجبار عام 1929 تقول بالرغم من أن الناس كانوا متعددين إلا أنهم منصهرون وكانت قيادتهم سهلة ولم يكن هناك توقع لصراع طائفي الذي لم يكن معروفاً في هذا المجتمع ( )
يعد الهنود الطبقة الرئيسية من بين المشتغلين بالتجارة في زنجبار في عصر السيد سعيد منشئ زنجبار الحديثة (1806-1856) وذلك بسبب السياسة الاقتصادية الانفتاحية التي انتهجها فساعدتهم على الاتجار والاستقرار في أملاكه في شرق أفريقيا وفي تحقيق السيطرة على الشئون الاقتصادية فى زنجبار , وعامل السيد سعيد الهنود كتجار محليين كما سمح لهم بالاتجار فى منطقة بمبا والتي لا يسمح للتجار الأجانب بارتيادها . وكان يرغب في تطوير وتنظيم الإمبراطورية التجارية .
فمعظم الهنود جاءوا في عهد السيد سعيد عام 1835 م , ولقد استخدمهم في إدارة الجمارك , وهم مثل العرب جاءوا مع الرياح الموسمية للتجارة. ولما جاء البريطانيون شجعوا الهجرة الهندية . و يتسم الهنود بسمات دينية وطائفية ( حسب الجنس , من باكستانPakistani أو جاءوا من الهند في عام 1948 م) و لقد حدثت الكراهية بين الهنود المسلمين وطائفة الهندوس.
ولقد بلغ عدد الأسيويين في عام 1948 بالجزيرتين 15.211 كان منها في جزيرة زنجبار 13.107 وفى جزيرة بمبا 2.104 وكانو يمثلون 5.8 % من جملة السكان في سلطنة زنجبار ويتضح من ذلك تركز الهنود في جزيرة زنجبار حيث التجارة وبيوت الأموال
وينقسم الهنود إلى مجموعتين هما المسلمين والهندوس.أما الهندوس فعقيدتهم الهندوسية وهى عبادة الأبقار ولهم معابدهم الخاصة وأبقارهم المقدسة والمكان الذي تحرق فيه جثث موتاهم ويسمون بانيان Banyans باللغة السواحيلية وهم غالباً تجار ومنهم فئات فقيرة أصحاب مهن مختلفة مثل العربجية والحلاقين والاسكافيين , ولم يحضروا زوجاتهم إلى زنجبار , فهم يأتون ويذهبون مثل العديد من الهنود ولا يعتبرون زنجبار وطنهم الأساسي فهم يسافرون بما حصلوه من مال إلى وطنهم ثم يعودوا مرة أخرى . وجاء الهندوس من بومباي Bombay ولغتهم الهندوسية Hindustani أكثر اللغات الهندية استخداماً.
و الهندوس Hindus على اختلاف قبائلهم ومذاهبهم كانوا يشكلون مجموعة لها نفوذ وسلطة إلا أنهم مجتمع منعزل عن الآخرين , ولهم نظامهم الخاص وعزمهم الوحيد فى الحياة هو جمع المال , ويتميزون بملابسهم الخاصة المصنوعة من جلد الأُسُود وهى تتكون من قميص أبيض وقبعة حمراء اللون مطرزة بالخيط الذهبي , ويضعون شالات على أكتافهم تسمى shudda ورجالهم طوال القامة ذو بنية نحيفة نباتيون لا يأكلون لحوم الحيوانات.
ويوجد الهندوس بكل طبقاتهم الاجتماعية المعروفة في الهند مثل السيخ و مجموعات أخرى من شعوب الهند ودياناتها . و للديانة الهندوسية العديد من المعابد في زنجبار وبمبا و يوجد عدد من عائلات السيخ في الجزيرتين ليس لديهم معبد ويؤدون شعائرهم في بيوتهم.
أما الهنود الجوان فيعتنقون جميعاً الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي وتظهر عليهم أثار الفكر الثقافي الحضاري البرتغالي وتنتشر بينهم جميعاً اللغات الهندية المتعددة إلى جانب الانجليزية . واسم الجوان نسبة إلى جوا المستعمرة البرتغالية السابقة في الهند . وظلوا يعرفون بهذا الاسم في المناطق التي سيطرت عليها الحكومة البريطانية فلما ظهرت الدولتان المستقلتان الهند وباكستان وتقسيمهما في عام 1947م أصبحت الأقليات الهندية تنسب إلى كل من هاتين الدولتين أى هنود وباكستانيين والجوان يعملون طباخين وخبازين وعاملي غسيل وبقالين ومصورين وأطباء وكتبه حيث تأثروا بالأوربيين وهم الفئة الوحيدة الهندية المسيحية في زنجبار. ولقد بلغ عددهم 681 في عام 1948 تركزوا في جزيرة زنجبار 598 وفى بمبا 83 يمثلون 3. % من جملة سكان سلطنة زنجبار
أما الهنود المسلمون فمنهم السنة ومنهم الشيعة فمثلاً الميمون Memons والسنديون Sindhis من أقل الهنود عدداً في زنجبار وهم مسلمون على المذهب الحنفى. ومن السكان الهنود المسلمين الشيعة في زنجبار (الخوجا The khojas ) فهم يؤلهون الإمام علىّ ويحترمون الـAgakhan لأنه تجسيد لنسل على ّ وكذلك لهم مساجدهم الخاصة التي تستخدم في المناسبات , ويصطحبون زوجاتهم لزنجبار غير محجبات وهناك فئة أخرى ( البهرة the Bohora ) فئة شيعية أخرى بعضهم تجار أغنياء ويصطحبون معهم زوجاتهم محجبات وهم أقل تأثراً بالنفوذ الأوربي عن الخوجا , ومعظم الهنود المسلمون تجار ولعبوا دور الوسيط بين التجار الأوربيين والسكان المحليين .
و يعتبر البهرة نموذجاً للبريطاني الهندي وهم حوالي 700 شخص معظمهم تجار أغنياء ويعيشون في زنجبار وكان من الهنود المسلمين الشيعة في زنجبار الطائفة الإثنا عشرية والإسماعيلية فكان الإثنا عشرية يهتمون بالقرآن الكريم ويصلون مع المسلمين .
كان للهنود دور في دعم الاقتصاد الزنجباري حيث قاموا بتمويل مشاريع العرب الزراعية وتطوير تجارة القوافل الداخلية مما جعل العرب تحت رحمة المُرابين الهنود . وقد تمكن عدد من التجار الهنود من شراء إقطاعيات زراعية مما جعلهم يضيفون إلى تجارتهم دعامة جديدة من السيطرة على قدر من الأراضى الزراعية. لم يكن الهنود في زنجبار جميعاً من أصحاب المصالح التجارية من طبقة التجار إذ أن عدداً منهم من أرباب الحرف كالنجارة والبناء والحدادة وغيرها من الوظائف البسيطة و معظمهم قد قدموا مع استقرار السلطان السيد سعيد في زنجبار.
ولقد تميز الهنود بلغتهم واتحادهم وروابطهم وقدرتهم على الاتجار والكسب وكان بعضهم مثل البهرة Bohoras يعملون فى الزراعة في جنوب جزيرة زنجبار بالقرب من قرية ماكندشى Makunduchi ,كما دخلوا في عملية صناعة القرنفل .وكان بعض الهنود بحارة ومالكي المزارع التي اشتروها من العرب نتيجة ديون الملاك العرب في زنجبار.
كان من الهنود من يملك ملكيات كبيرة من أشجار القرنفل وتأسست الجمعية الهندية عام1934 م لرعاية أحوال الهنود . وخططت الحكومة البريطانية في زنجبار لاستثمار الأموال بواسطة الهنود بشكل لا يهدد الأنشطة التجارية .
ولقد اهتم أفراد الجالية الهندية على اختلاف أجناسهم ودياناتهم بالتعليم حتى يضمنوا مركزاً اجتماعياً ممتازاً وقد علم الهنود أجيالهم القراءة والكتابة باللغة العربية والانجليزية إلى جانب لغتهم الأصلية إضافة إلى تعليمهم طبائع وعادات الجالية الهندية في شرق أفريقيا .
اعتبرت بريطانيا الهنود ( رعايا بريطانيين) , و شجعت هجرتهم إلى شرق أفريقيا لكي لحاجتها إلى العمالة الهندية (الفنية والحرفية ) فأرادت بريطانيا الاستفادة من خبرة الهنود في التجارة وعمليات الصرافة والسمسرة وتوظيف رؤوس أموالهم مما ساعد على ازدهار التجارة . فنظر البريطانيون للهنود على أنهم الفئة التي تليهم درجة ولذا يحق لها أن تختلط وتنسجم معهم دون سواهم. فكان للهنود دور مهم في تجارة شرق أفريقيا .