Dr. Mehmet Tütüncü
Monday, July 18, 2016
Relations Between the Ottoman Empire and the ZanzibarSultanate (1877- 1907)
Relations Between the Ottoman Empire and the ZanzibarSultanate (1877- 1907): Documents From Ottoman Archives in Istanbul
Dr. Mehmet Tütüncü
Dr. Mehmet Tütüncü
Zones of Conflict, Zones of Peace
Zones of Conflict, Zones of Peace Program
Georgetown University in Qatar
Sunday, July 17, 2016
شمعة خفتت:فاروق بن عبدالله بن عامر البرواني
شمعة خفتت
فاروق بن عبدالله بن عامر البرواني
(22 يناير 1945 – 7 يوليو
2016)
بقلم: محمد بن علي بن محسن البرواني
https://drive.google.com/file/d/0B2Ecuc06Le8Da1NJakRoWXdiRDQ/view?usp=sharing
فخر العرب .. بيت العجائب
خالد العنقودي
جريدة الوطن
خلال جولتي الأفريقيه كان التأثير العماني في شرق أفريقيا ماثلا للعيان، حيث سبق أن أشرت ذلك في أكثر من تقرير بعدما أسهبت عن الموروثات والعادات والتقاليد العمانية في جزر هذه القاره وانتشارها في المجتمع الأفريقي، وهو مبعث فخر لنا في ذلك.
أما في هذا التقرير سأسهب عن زيارتي إلى قصر (بيت العجائب) في زنجبار والذي أسميته فخر العرب ولم لا ؟ وهو الذي شهد أحداثا كثيره على مر التاريخ، هذا القصر الذي أبقت عليه الأيام كي يكون فخرا لنا على مر السنين، وهل له مثيل كي لا نفخر به سوى ما خلفه أولئك العظام من الأجداد؟، هذا القصر الذي سأحدثكم عنه ولا أراني قد حدثتكم عنه بشيء قبل ذلك بعد ما بت معجبا بعظمة وحسن بنائه.
كنت حينها في جزيرة (زنجبار) بعد ما أخذني هذا التيه من المشي من مكان يقال له (درجاني) حيث بت أمشي مترنما وسط فصول من الأزمنه ووسط أزقه نحو أبنيه قد طواها الزمن، هذه الأزمنه نحو مبان وهي عامره بساكنيها حتى اليوم وبعض منها أصبح اليوم حديثا يروى بعد ما كان يقطنها عرب عمان ومنهم من هجرها عند عودتهم إلى أرض الوطن والتي لم يتبق منها سوى تلك الأطلال من الأنقاض التي فيها ما يبعث على الآسى لولا يد الحفاظ التي صانتها من عاديات الزمن ومن أثر العيون في وجه الأرض لما بقي منها شيئ، هذا المشي بين أزقة هذه البيوت بلغ بي عند أحد الأبراج لقلعه محاذية نحو قصر مهيب وفخم وهو في نظري في طليعة الأنصاب التي أقيمت في ذلك الوقت وتخليدا لذكرى أبطالها العظام وهم من أخرجوه بتلك الجودة والمتانة والروعة، إن ذلك بالطبع بات مبعثا للفخر والإكبار حيث بنى العظماء قصورهم الفخمه مقابل الشواطئ (كبيت المرهوبي وقصر المتوني وبيت الراس) وغيرها حيث دائما ما تقع العين بين الخمائل القريبة من هذه القصور بعدما جعلت على أكمل ترتيب.
إن هذا القصر عرف باسم (بيت العجائب) وهو بالطبع بات أعجوبه في زمانه وهو بمثابة القصر الرسمي للسلطان (برغش بن سعيد بن سلطان) والذي تم بناؤه عام 1883 حيث يعتبر الابن السابع للسلطان سعيد بن سلطان بعد ما تولى الحكم في أكتوبر عام 1870 م والذي ينسب له الفضل في بناء وتطوير البنى التحتيه وتطوير شبكات المياه والمباني الحكوميه الضخمه ومن ضمنها هذا القصر حيث يمكن رؤية اسم من قام بتشييد القصر على لوحة معدنيه عند مدخله.
كنت حينها أحدق بين أرجاء هذا القصر المهيب بعد ما دهنت أركانه وأعمدته باللون الأبيض حيث ألفته قصرا باهيا مهيبا بشرفاته ذات الأقواس البديعة وأبوابه الفخمه ذات النقوش الجميله وهو بات من آيات الفن الرفيع، كما أن المبنى ليس له نظير في سائر (زنجبار) وفي أفريقيا قاطبه وهو آية في الجمال والمكان والسعة، هذا المبنى بتاريخه الذي طواه كان لمجد رجف به الزمان وذلك كي يقف بنو الإنسان دهشا من عظم المواد التي جلبت وبنيت به هذا القصر.
أمام هذا القصر وقفت وقفه مستغرقا في تفكير ومتأملا هذا البناء ببنائه الشامخ الرفيع الذي بني خلال تلك الحقبه الزمنيه الفاصله من التاريخ حيث ما لبثت أن لمعت لمعة من النور في عينيّ بعد ما سرت في داخلي نشوه نحو معايشة تلك الحياه الأزليه لحياة الأسلاف.
هذا الوقوف استرجعت فيه الذكريات حيث يستوقف الفكر بني الإنسان ويحير النظر كيف لهذا البناء أن يصمد منذ ذلك الدهر إلى هذا اليوم وبناء هذا اليوم لا يكاد أن يصمد لفترة من الزمن؟ ، هذا القصر وكأنما بات يطلب منا أن نرعى حرمته، إنها أمم انزاحت بعد ما تشكلت حضارات إثر حضارات هي في الأساس مآثر لأجداد وأمجاد العظام ممن رحلوا عنا وهي من تبقى وتحكي للأجيال عما صنعه أولئك العظام.
عندها قررت أن أدخل إليه من خلال بابه الكبير حيث تشتبك الأرواح فتكسو المكان جلالا ووقارا وأنت تدخل قصرا منيعا بعد ما تحطمت وتناثرت كثير من القصور بحطامها ولم يبق منها شيئ إلا ما كتب له النجاة، هذا الوقوف والتأمل قد زاد المكان رهبة بعظمة هذا البناء الذي أقف عليه بأعمدته البيضاء وبابه الفخيم الذي ما زال يفتح لزائريه، كما أن حجم باب الدخول فخم للغايه وهو منقوش بنقوش أنيقه وزخارف منحوته ببراعة فائقه حيث يؤدي إلى مدخل البهو السلطاني، أما عند مدخل عتبة بابه يوجد سلم كبير تحرسه أسود نحاسيه ومدفعان، أما مدخله فهو واسع حيث كان يقف السلطان في ذلك الوقت عند عتبة هذا الباب عند استقبال ضيوفه بعد ما تطلق المدفعيه طلقاتها وتقوم بعزفها السلام الوطني لجزيرة (زنجبار) للضيف بعد ما يقوم السلطان بالترحيب بضيوفه ويودعهم بعد مصافحتهم على حدة عند مغادرتهم القصر.
إن هذا القصر بات أول مبنى في زنجبار بأكملها تصله الكهرباء حيث استخدمت فيه المصاعد الكهربائيه وأثناء دخول الزائر إليه يفاجأ بمكان رحب وواسع تحيط به الغرف من كل الجوانب حيث يتجلى الجمال والإبداع في بنائه، ومن يصعد عبر السلالم التي تتوسطه فهي تحير الألباب بشكلها الجميل وتدخل في النفس العجب العجاب والذي يصلك إلى حجرات الأدوار الأخرى، وهي التي تفضي إلى الشرفات المطلة ناصية البحر حيث يمكن رؤية بعض الأروقة بعد ما قامت على عدد من صفوف العمد في الداخل والخارج وهي تسند سقفا طويل الشكل وعلى هذا النحو تكون طبقه من السقف في الأعلى ومن تحته يتوالى صف من الصفوف وهي حافله بالدعائم وكل عمود يشبه الأول في الشكل بعد ما أحاطت كل أرجاء القصر بدءا من الدور الأول إلى آخر دور.
كنت أجول بين ردهات أجنحة الحجرات مرهف السمع ومتوقد الحس وسط صمت عميق مطبق عليّ مستمعا إلى خطوات المشي نحو سياح دخلوا للتو، كنت أتفرس جدران كل الحجرات ومن حجره إلى حجره أخرى وهي ترتسم بحيويتها ولم يؤثر بها عامل الزمن بالشيخوخه، هذه الغرف باتت تطل على منظر البحر.
إن هذه الحجرات تكاد تكون معظمها خاويه حيث لم يبقوا منها شيئا فقد نهبت ما نهب أثناء ثورة 1964 م وما تبقى منها بعض الحلي والقلادات وسيارة آخر سلطان تسلم الحكم، أما في الدور الثاني فوقع بصري على سيرة تلك الأميرة العربية السيدة (سالمة) منذ ريعان شبابها إلى آخر مرحلة من مراحل حياتها.
كنت مستمرا في استكشاف هذا القصر نحو كل صغيره وكبيره بعد ما تحطمت كثير من الأمواج على مر التاريخ بعد ما قذفها ذلك البحر المائج بتموجات الزمان حيث ما حسبت أننا في الخارج كنا نملك القصور بفنها وعظمتها سوى من خلال هذه الزياره فقراءة كتب التاريخ شيء ومعايشة الأمكنه واقعيا فذلك شيئ آخر، هذه الزيارة والتي لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي بعد ما ترك لنا العظماء فنا باهرا لا يموت من قصور وقلاع وحصون في ذلك الوقت عندما كنا إمبراطورية يحسب لها ألف حساب وهم من كانوا سادة البحار.
نعم كنا سادة البحار هي حقبه طويت من إعصار كنا له حيث رجف له أهل المشرق والمغرب في ذلك الوقت، عندها انتقلت إلى المبنى الملحق بالقصر وهو قصر الحكم حيث خصص جزء منه للحكم والجزء الآخر للعائله وهو يقع بمواجهة الشاطئ، هذا المبنى الملحق بالقصر توجد به التحف وغيرها من المقتنيات حيث يمكن رؤية شجرة عائلة ألبوسعيد حكام عمان وزنجبار والتي تبدأ من الإمام أحمد بن سعيد إلى جلالة السلطان قابوس المعظم، إلى جانب لوحات زيتيه لسلاطين ألبوسعيد الذين حكموا الجزيره بعدما خلدوا مجدا عظيما.
كانت أبرز هذه اللوحات للسيد سعيد بن سلطان (سلطان زنجبار)، أما في الطابق العلوي فتوجد صور باقي السلاطين بدءا من (ماجد بن سعيد وبرغش بن سعيد وحمد بن محمد بن سعيد وحمود بن محمد بن سعيد والسيد علي والسيد خليفه بن حارب) وغيرهم ممن تعاقبوا على الحكم في هذا الأرخبيل، ناهيك عن كثير من المقتنيات كخزانة الملابس وعدد من المرايا والخزف الصيني والتحف والكراسي والطاولات والأباريق وكثير من الغرف كغرفة السيدة سالمه بأثاثها وغرف السلطان والاجتماعات بأثاثها حيث كان السلطان يستقبل وزراءه ومستشاريه، هذه الشخصيات التي عاشت في تلك الحقبه قد كتب لها الخلود وأن تعيش تحت الثرى حيث تم دفنهم في المقبرة السلطانيه المجاورة للقصر وهي ما زالت صامدة حتى اليوم، هذه المقبره دفن بها أفراد العائله المالكه والسيدات كالسيده شريفه والسيده رقيه وبقية الساده، هذه الشخصيات قد أمست في ذمة التاريخ وصارت أسماء أصحابها ذكرى حياة الشهرة وحياة الخلود.
كل هذا التاريخ ما هو إلا عز بت أتأمله من تلك العظمه التي خلفها الأجداد، هي كنوز من هذا الثراء حيث بتنا محظوظين في ذلك، وقد بات قلبي يخفق فرحا بعد ما أخذتني هذه النشوه من مجد تليد حيث لم ألبث أن أهتف طربا حتى أتى من ترك يده على كتفي حيث أيقظني من سباتي ومن الخيال الذي أنا فيه حيث تلعثم لساني. إن ما أشاهده شيئا من الماضي حتى أيقنت أنه لم يبق إلا هذا الإرث من مجدنا الغابر وهو الشاهد على ذلك، نعم لقد تلاشى كل شيء من تلك التي كانت تسمى (أندلس العرب) في أفريقيا بما فيها من عز وسلطان وما بقي فقط هذا القصر وبعض الفتات هنا وهناك.
لقد عرفنا من خلال قراءتنا للتاريخ أنه لا يمكن لأي أمه كانت قد وصلت إلى مراتب من المدنيه دون أن تترك بصمتها من فن لأي أثر وهو وليد كل مدنيه وحضاره كي يبقى أبد الآبدين كي يحكي عن أمة غابرة.
هذا هو التاريخ لا يرحم، فكم من أمم لحضارات كانت في أووجها بعد ما زاع صيتها إلى أن أطاحت بعروشها ثورات وانقلابات حيث قامت في مقام مكانها كواكب أخرى وهي تكون لها نفس تلك النهايات والمصائر حتى تأتي أمم أخرى، هذا هو التاريخ اليوم بات يروى في الألسن والكتب وما بقي منه يكون أطلالا ورسومات تحكي للدهر عن تاريخ أمة ما لبثت أن كانت هنا يوما ما، تلك الأطلال والأنصاب منها ما صانته يد الحفاظ من عاديات الزمن ولولاها لما بقي منها شيء .
أما في هذا التقرير سأسهب عن زيارتي إلى قصر (بيت العجائب) في زنجبار والذي أسميته فخر العرب ولم لا ؟ وهو الذي شهد أحداثا كثيره على مر التاريخ، هذا القصر الذي أبقت عليه الأيام كي يكون فخرا لنا على مر السنين، وهل له مثيل كي لا نفخر به سوى ما خلفه أولئك العظام من الأجداد؟، هذا القصر الذي سأحدثكم عنه ولا أراني قد حدثتكم عنه بشيء قبل ذلك بعد ما بت معجبا بعظمة وحسن بنائه.
كنت حينها في جزيرة (زنجبار) بعد ما أخذني هذا التيه من المشي من مكان يقال له (درجاني) حيث بت أمشي مترنما وسط فصول من الأزمنه ووسط أزقه نحو أبنيه قد طواها الزمن، هذه الأزمنه نحو مبان وهي عامره بساكنيها حتى اليوم وبعض منها أصبح اليوم حديثا يروى بعد ما كان يقطنها عرب عمان ومنهم من هجرها عند عودتهم إلى أرض الوطن والتي لم يتبق منها سوى تلك الأطلال من الأنقاض التي فيها ما يبعث على الآسى لولا يد الحفاظ التي صانتها من عاديات الزمن ومن أثر العيون في وجه الأرض لما بقي منها شيئ، هذا المشي بين أزقة هذه البيوت بلغ بي عند أحد الأبراج لقلعه محاذية نحو قصر مهيب وفخم وهو في نظري في طليعة الأنصاب التي أقيمت في ذلك الوقت وتخليدا لذكرى أبطالها العظام وهم من أخرجوه بتلك الجودة والمتانة والروعة، إن ذلك بالطبع بات مبعثا للفخر والإكبار حيث بنى العظماء قصورهم الفخمه مقابل الشواطئ (كبيت المرهوبي وقصر المتوني وبيت الراس) وغيرها حيث دائما ما تقع العين بين الخمائل القريبة من هذه القصور بعدما جعلت على أكمل ترتيب.
إن هذا القصر عرف باسم (بيت العجائب) وهو بالطبع بات أعجوبه في زمانه وهو بمثابة القصر الرسمي للسلطان (برغش بن سعيد بن سلطان) والذي تم بناؤه عام 1883 حيث يعتبر الابن السابع للسلطان سعيد بن سلطان بعد ما تولى الحكم في أكتوبر عام 1870 م والذي ينسب له الفضل في بناء وتطوير البنى التحتيه وتطوير شبكات المياه والمباني الحكوميه الضخمه ومن ضمنها هذا القصر حيث يمكن رؤية اسم من قام بتشييد القصر على لوحة معدنيه عند مدخله.
كنت حينها أحدق بين أرجاء هذا القصر المهيب بعد ما دهنت أركانه وأعمدته باللون الأبيض حيث ألفته قصرا باهيا مهيبا بشرفاته ذات الأقواس البديعة وأبوابه الفخمه ذات النقوش الجميله وهو بات من آيات الفن الرفيع، كما أن المبنى ليس له نظير في سائر (زنجبار) وفي أفريقيا قاطبه وهو آية في الجمال والمكان والسعة، هذا المبنى بتاريخه الذي طواه كان لمجد رجف به الزمان وذلك كي يقف بنو الإنسان دهشا من عظم المواد التي جلبت وبنيت به هذا القصر.
أمام هذا القصر وقفت وقفه مستغرقا في تفكير ومتأملا هذا البناء ببنائه الشامخ الرفيع الذي بني خلال تلك الحقبه الزمنيه الفاصله من التاريخ حيث ما لبثت أن لمعت لمعة من النور في عينيّ بعد ما سرت في داخلي نشوه نحو معايشة تلك الحياه الأزليه لحياة الأسلاف.
هذا الوقوف استرجعت فيه الذكريات حيث يستوقف الفكر بني الإنسان ويحير النظر كيف لهذا البناء أن يصمد منذ ذلك الدهر إلى هذا اليوم وبناء هذا اليوم لا يكاد أن يصمد لفترة من الزمن؟ ، هذا القصر وكأنما بات يطلب منا أن نرعى حرمته، إنها أمم انزاحت بعد ما تشكلت حضارات إثر حضارات هي في الأساس مآثر لأجداد وأمجاد العظام ممن رحلوا عنا وهي من تبقى وتحكي للأجيال عما صنعه أولئك العظام.
عندها قررت أن أدخل إليه من خلال بابه الكبير حيث تشتبك الأرواح فتكسو المكان جلالا ووقارا وأنت تدخل قصرا منيعا بعد ما تحطمت وتناثرت كثير من القصور بحطامها ولم يبق منها شيئ إلا ما كتب له النجاة، هذا الوقوف والتأمل قد زاد المكان رهبة بعظمة هذا البناء الذي أقف عليه بأعمدته البيضاء وبابه الفخيم الذي ما زال يفتح لزائريه، كما أن حجم باب الدخول فخم للغايه وهو منقوش بنقوش أنيقه وزخارف منحوته ببراعة فائقه حيث يؤدي إلى مدخل البهو السلطاني، أما عند مدخل عتبة بابه يوجد سلم كبير تحرسه أسود نحاسيه ومدفعان، أما مدخله فهو واسع حيث كان يقف السلطان في ذلك الوقت عند عتبة هذا الباب عند استقبال ضيوفه بعد ما تطلق المدفعيه طلقاتها وتقوم بعزفها السلام الوطني لجزيرة (زنجبار) للضيف بعد ما يقوم السلطان بالترحيب بضيوفه ويودعهم بعد مصافحتهم على حدة عند مغادرتهم القصر.
إن هذا القصر بات أول مبنى في زنجبار بأكملها تصله الكهرباء حيث استخدمت فيه المصاعد الكهربائيه وأثناء دخول الزائر إليه يفاجأ بمكان رحب وواسع تحيط به الغرف من كل الجوانب حيث يتجلى الجمال والإبداع في بنائه، ومن يصعد عبر السلالم التي تتوسطه فهي تحير الألباب بشكلها الجميل وتدخل في النفس العجب العجاب والذي يصلك إلى حجرات الأدوار الأخرى، وهي التي تفضي إلى الشرفات المطلة ناصية البحر حيث يمكن رؤية بعض الأروقة بعد ما قامت على عدد من صفوف العمد في الداخل والخارج وهي تسند سقفا طويل الشكل وعلى هذا النحو تكون طبقه من السقف في الأعلى ومن تحته يتوالى صف من الصفوف وهي حافله بالدعائم وكل عمود يشبه الأول في الشكل بعد ما أحاطت كل أرجاء القصر بدءا من الدور الأول إلى آخر دور.
كنت أجول بين ردهات أجنحة الحجرات مرهف السمع ومتوقد الحس وسط صمت عميق مطبق عليّ مستمعا إلى خطوات المشي نحو سياح دخلوا للتو، كنت أتفرس جدران كل الحجرات ومن حجره إلى حجره أخرى وهي ترتسم بحيويتها ولم يؤثر بها عامل الزمن بالشيخوخه، هذه الغرف باتت تطل على منظر البحر.
إن هذه الحجرات تكاد تكون معظمها خاويه حيث لم يبقوا منها شيئا فقد نهبت ما نهب أثناء ثورة 1964 م وما تبقى منها بعض الحلي والقلادات وسيارة آخر سلطان تسلم الحكم، أما في الدور الثاني فوقع بصري على سيرة تلك الأميرة العربية السيدة (سالمة) منذ ريعان شبابها إلى آخر مرحلة من مراحل حياتها.
كنت مستمرا في استكشاف هذا القصر نحو كل صغيره وكبيره بعد ما تحطمت كثير من الأمواج على مر التاريخ بعد ما قذفها ذلك البحر المائج بتموجات الزمان حيث ما حسبت أننا في الخارج كنا نملك القصور بفنها وعظمتها سوى من خلال هذه الزياره فقراءة كتب التاريخ شيء ومعايشة الأمكنه واقعيا فذلك شيئ آخر، هذه الزيارة والتي لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي بعد ما ترك لنا العظماء فنا باهرا لا يموت من قصور وقلاع وحصون في ذلك الوقت عندما كنا إمبراطورية يحسب لها ألف حساب وهم من كانوا سادة البحار.
نعم كنا سادة البحار هي حقبه طويت من إعصار كنا له حيث رجف له أهل المشرق والمغرب في ذلك الوقت، عندها انتقلت إلى المبنى الملحق بالقصر وهو قصر الحكم حيث خصص جزء منه للحكم والجزء الآخر للعائله وهو يقع بمواجهة الشاطئ، هذا المبنى الملحق بالقصر توجد به التحف وغيرها من المقتنيات حيث يمكن رؤية شجرة عائلة ألبوسعيد حكام عمان وزنجبار والتي تبدأ من الإمام أحمد بن سعيد إلى جلالة السلطان قابوس المعظم، إلى جانب لوحات زيتيه لسلاطين ألبوسعيد الذين حكموا الجزيره بعدما خلدوا مجدا عظيما.
كانت أبرز هذه اللوحات للسيد سعيد بن سلطان (سلطان زنجبار)، أما في الطابق العلوي فتوجد صور باقي السلاطين بدءا من (ماجد بن سعيد وبرغش بن سعيد وحمد بن محمد بن سعيد وحمود بن محمد بن سعيد والسيد علي والسيد خليفه بن حارب) وغيرهم ممن تعاقبوا على الحكم في هذا الأرخبيل، ناهيك عن كثير من المقتنيات كخزانة الملابس وعدد من المرايا والخزف الصيني والتحف والكراسي والطاولات والأباريق وكثير من الغرف كغرفة السيدة سالمه بأثاثها وغرف السلطان والاجتماعات بأثاثها حيث كان السلطان يستقبل وزراءه ومستشاريه، هذه الشخصيات التي عاشت في تلك الحقبه قد كتب لها الخلود وأن تعيش تحت الثرى حيث تم دفنهم في المقبرة السلطانيه المجاورة للقصر وهي ما زالت صامدة حتى اليوم، هذه المقبره دفن بها أفراد العائله المالكه والسيدات كالسيده شريفه والسيده رقيه وبقية الساده، هذه الشخصيات قد أمست في ذمة التاريخ وصارت أسماء أصحابها ذكرى حياة الشهرة وحياة الخلود.
كل هذا التاريخ ما هو إلا عز بت أتأمله من تلك العظمه التي خلفها الأجداد، هي كنوز من هذا الثراء حيث بتنا محظوظين في ذلك، وقد بات قلبي يخفق فرحا بعد ما أخذتني هذه النشوه من مجد تليد حيث لم ألبث أن أهتف طربا حتى أتى من ترك يده على كتفي حيث أيقظني من سباتي ومن الخيال الذي أنا فيه حيث تلعثم لساني. إن ما أشاهده شيئا من الماضي حتى أيقنت أنه لم يبق إلا هذا الإرث من مجدنا الغابر وهو الشاهد على ذلك، نعم لقد تلاشى كل شيء من تلك التي كانت تسمى (أندلس العرب) في أفريقيا بما فيها من عز وسلطان وما بقي فقط هذا القصر وبعض الفتات هنا وهناك.
لقد عرفنا من خلال قراءتنا للتاريخ أنه لا يمكن لأي أمه كانت قد وصلت إلى مراتب من المدنيه دون أن تترك بصمتها من فن لأي أثر وهو وليد كل مدنيه وحضاره كي يبقى أبد الآبدين كي يحكي عن أمة غابرة.
هذا هو التاريخ لا يرحم، فكم من أمم لحضارات كانت في أووجها بعد ما زاع صيتها إلى أن أطاحت بعروشها ثورات وانقلابات حيث قامت في مقام مكانها كواكب أخرى وهي تكون لها نفس تلك النهايات والمصائر حتى تأتي أمم أخرى، هذا هو التاريخ اليوم بات يروى في الألسن والكتب وما بقي منه يكون أطلالا ورسومات تحكي للدهر عن تاريخ أمة ما لبثت أن كانت هنا يوما ما، تلك الأطلال والأنصاب منها ما صانته يد الحفاظ من عاديات الزمن ولولاها لما بقي منها شيء .
Tuesday, July 12, 2016
زنجبـار أندلس افريقيا الضائعة
أحمد الظرافي
دنيا الوطن
دنيا الوطن
20/3/2008
لم تكن الأندلس هي الفردوس الأولى ولا الأخيرة، التي يفقدها العرب، أو يتم إخراجهم عنوة منها، بعد قرون من وجودهم وحضارتهم الزاهرة فيها، فهناك – في حقيقة الأمر - أكثر من فردوس أو أندلس عربية مفقود، لا يملك المرء عند ذكرها إلا الشعور بالألم والحسرة، على هذه الأمجاد الضائعة، رغم مرارة وبؤس الواقع العربي الراهن. والذي يزداد تدهورا يوما بعد يوم. وهاهنا واحدة من تلك الجنان المفقودة والأمجاد الضائعة..إنها زنجبار مملكة العرب القديمة ومفتاح الشاطئ الشرقي لأفريقيا، وأشهر مركز إشعاع إسلامي في القارة السوداء. زنجبار الجزيرة الخضراء البديعة العبقة، حيث اللسان عربي، والتاريخ عربي، والتراث الحضاري عربي، والحكم عربي حتى قبل 44عاما فقط مضت.. الفارق أن زنجبار لا بواكي لها. فكيف كانت بداية الوجود العربي.. وكيف انتهى أفول الخروج؟
بر الزنـج
زنجبار عبارة عن جزيرة تبدو صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبطبيعتها الجميلة الخلابة، وبشعبها الحيوي النشط، وهي تقع في المحيط الهندي على بعد عشرين ميلاً عن الساحل الشرقي لأفريقيا، ويعني اسمها باللغة العربية "بر الزنج". أو ساحل الزنج، وتكتب باللغة الإنجليزية هكذا ( Zanzibar )، وتبلغ مساحة زنجبار– أو الجزيرة الخضراء، كما يحلو لسكانها في وصفها - حوالي1600كم مربع، وأما عدد سكانها فيبلغ – طبقا لآخر الإحصائيات - زهاء مليون نسمة منهم حوالي 97% مسلمون. وهم من الأفارقة والعرب والفرس والهنود. والنسبة الباقية فتتشكل من المسيحيين والهندوس.
واللغة السائدة فيها حاليا هي اللغة السواحلية وهي مزيج من لغات أفريقية قديمة واللغة العربية. ويقدر بعض علماء اللغة أن 70% من اللغة السواحلية من أصل عربي. وتتبع جزيرة زنجبار سياسيا دولة تنزانيا الحديثة النشأة والتكوين وتخضع لنظام حكم شبه ذاتي.
وتجمع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب – وتحديدا عرب الجنوب الذين ركبوا البحر منذ القدم – قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، وأمتد نشاطهم التجاري حتى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة، وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند. ويحدثنا التاريخ بأن الحبشة أسسها عرب الجنوب الذين حكموا "الصومال" وما جاورها وأن"زنجبار" كان يحكمها سلطان عربي. وكل هؤلاء قدموا إلى هذه البلاد واستوطنوها مع جاليات ضخمة من العرب عن طريق البحر، بسبب نشاطهم الملاحي الذي كان سبباً لانتشارهم في أكثر البلاد والمدن الساحلية التي تقع على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي. وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية السائدة في زنجبار ومنها انتشرت إلى العديد من الدول الإفريقية المجاورة.
ويقول المسعودى في سياق الحديث عن التجارة بأن أصحاب المراكب الذين كانوا يبحرون إلى أفريقيا الشرقية في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي كانوا عربا، ووصلوا حتى ميناء سفاله في موزمبيق الذي كان آنذاك مرفأً لتجارة الذهب القادمة من داخل البلاد . وكانت السلع التي تسعى المراكب لجلبها هي الذهب والعاج والأخشاب والتوابل والعنبر.واستمر الحال هكذا حتى سقوط بغداد في يد الغزاة المنغوليين عام 656هـ / 1258م مما أدى مرة أخرى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى بلدان سواحل شرق القارة .
وتبين الآثار التاريخية المادية أن العلاقات التجارية التي ربطت دول الخليج العربية الحالية بشرق إفريقيا منذ القدم, لم تنقطع إلا بعد ظهور النفط.
مركز إشعاع إسلامي
وتاريخيا تعتبر زنجبار أرضا مسلمةً منذ القرن الأول الهجري. وقد انتشر فيها الإسلام نتيجة الهجرات المنظمة والمتوالية لبعض القبائل الأزدية والحضرمية والشيرازية إليها ثم نتيجة للعلاقات التجارية بينها وبين عرب الجنوب والخليج. وما كان يتحلى به هؤلاء التجار من سلوك قويم ومعاملة حسنة. وتعود أقدم الهجرات العربية إليها إلى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان ( 65-86هـ) الموافق ( 685- 705م ). أثناء حملات الحجاج الثقفي العسكرية لضم عمان إلى الدولة الأموية.
وتجدر الإشارة إلى أن القبائل العربية التي هاجرت إلى زنجبار وشرق أفريقيا بعد الإسلام، لم تكن بوافدة على بيئة غريبة عليها, فقد كان هنالك تواصل وتداخل بين الجزيرة العربية والمناطق الإفريقية الداخلية منذ ما قبل الميلاد, تولد عنه كيان بشري وثقافة مشتركة، وقد شكل هذا الوعاء اللغوي والثقافي المشترك عاملا مهما لانتشار الإسلام في هذه المنطقة، بصورة تلقائية عن طريق الدعوة والإقناع، ومن ثم سهولة بسط نفوذ العرب المسلمين السياسي والثقافي في شرق أفريقيا. وكان من نتيجة انتشار الإسلام والمسلمين في المنطقة أن حل العرب والمسلمون محل غيرهم في التجارة البحرية بالمنطقة اعتبارا من القرن الثاني للهجرة ( الثامن الميلادي ) - وقد قامت في زنجبار أول دولة إسلامية عربية في أفريقيا وظلت زنجبار على مدى قرون عديدة من أهم مراكز نشر الإسلام واللغة العربية في شرق القارة الأفريقية.
وهناك من الباحثين من يرجع دخول الإسلام إلى زنجبار وشرق أفريقيا إلى مرحلة سابقة لهجرة تلك القبائل العربية إليها، وهي مرحلة فجر الإسلام، حين خرج العرب الذين أنار الدين الجديد عقولهم وحرر أخلاقهم وجدد هممهم، لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا – أثناء ذلك - من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية – بما فيها زنجبار- ويستدلون على ذلك بكون تلك المجتمعات الإفريقية لم تتبن المذاهب الفقهية أو العقائدية التي كانت تسود في المناطق التي هاجر منها أولئك العرب المسلمون. فلا نجد مثلا المذهب الإباضي أو المذهب الشيعي منتشرا في مناطق شرق إفريقيا أو وسطها. وهو ما ينطبق على زنجبار نفسها باستثناء الأسرة الحاكمة، والملتفين حولها، والذين اقتصرت أنشطتهم على التجارة والزراعة.إلى جانب أعداد قليلة من الشيعة وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والذين وفدوا إليها في مراحل لاحقة. ولذلك فقد ظلت زنجبار بمنأى عن الصراعات والفتن المذهبية لمدة طويلة، ولم تعرف الجاليات الإسلامية هذه الفتن إلا لمرة واحدة تقريبا، وذلك في عام 1336هـ الموافق 1928م ، أي بعد وقوع الجزيرة في براثن الاستعمار الانجليزي، وكانت هذه الفتنة بين الحضارم والعمانيين نتيجة للخلاف المذهبي بينهما– وهذا كما ذكر الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة في مقال له نقلا عن أحد المصادر-.
السيادة العمانية
وقد خضعت زنجبار تاريخيا لسلطنة حكام عمان سواء عندما حكمها اليعاربة (1624ـ1742)، أو آل بوسعيد، (البوسعيديين), الذين يعتبر عصرهم هو العصر الذهبي للوجود العماني في شرق إفريقيا. وكان سلطان عمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشو وأسمرة ومدن كثيرة حتى وسط أفريقيا. وفي فترة حكمهم انتشرت الثقافة العربية الإسلامية – ليس في زنجبار قاعدة حكمهم في أفريقيا فحسب – وإنما على طول الساحل الشرقي الإفريقي وفي الداخل. وقد ظلت سيطرة العمانيين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، ولم تنقطع خلالها إلا فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية، ثم من الاستعمار والتأثير البرتغالي، وتحديدا منذ القرن الخامس عشر وحتى أواخر القرن السابع عشر، إلى أن طرد الأمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان ومنطقة الخليج، ثم من زنجبار في العام 1652 ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا. ولقد أغرى ذلك الانتصار العمانيين بملاحقة البرتغاليين في المحيط الهندي وإلى شواطئ إفريقيا, كما لا يمكن إهمال الجانب الديني والوطني الذي دفع (عمان) لتخليص عرب ومسلمي شرق إفريقيا من الاستعمار البرتغالي. وكان لتحرر الإمارات الإسلامية من الكابوس البرتغالي أثر عميق في استعادة الحركة الإسلامية نشاطها. وبدأ الإسلام بالتوغل فعلياً نحو الداخل، عن طريق التجار والدعاة والذين نشطوا في نشر عقيدة التوحيد، في موزمبيق وسفالة، ونفذوا إلى منطقة نياسالاند (ملاوي اليوم)، وهضبة البحيرات ومملكة بوغندة (أوغندة) وكينية وتنجانيقا حتى حدود الكونغو، وأقيمت المساجد والكتاتيب في كل مدينة وقرية. وأحرز الإسلام تقدماً مماثلاً في مناطق شمال مقديشو. كما تسرب سلمياً إلى قلب الحبشة طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان للاتصال المستمر بين هذه الإمارات والعالم الإسلامي أثره الكبير في انتشار الإسلام والثقافة العربية الإسلامية.
لؤلؤة المملكة
كان النظام المستقر أن جزيرة زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعان لسلطان عمان الذي كان يحكم من عمان، ويفوض ولاةً على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية. وفي عام 1828م قام السلطان سعيد بن سلطان أو السيد البحار كـما كان الأوربيون يطلقون عليه – والذي لم يكن يبلغ حينذاك 18 عامًا – قام بزيارة إلى جناح مملكته في شرق أفريقيا، وعندما وصل إلى زنجبار استهواه جمالها وطيب مناخها مقارنة بهجير عمان، فجعل الجزيرة مقره الرسمي، وعاصمة لمملكة يحكم منها عمان وساحل أفريقيا- بدلا عن مسقط - وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عمان الواسعة والمترامية، وسرعان ما تعاظمت وتكثفت هجرات العمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم. وإلى السلطان سعيد بن سلطان ( 1807- 1856 ) يعود الفضل في كونه أول من زرع شجر القرنفل في الجزيرة والتوسع فيها، على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله. وقد استمر هذا السلطان البحار التاجر يحكم الجزيرة لمدة 50 عامًا متواصلة. وقد مات وهو يقود سفينته كـما تمنى وكـما عاش دوما. وفي عهدة وصلت أول سفينة عربية إلى ميناء نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في 13أبريل 1840. حاملة هدايا إلى الرئيس الأمريكي: حصانين ولآلئ وأحجار كريمة وسبيكة من الذهب وسجادة عجمية من حرير وعطر وماء ورد وأكثر من شال كشميري وسيف مذهب- إلى جانب مبعـوث السلطـان الخاص إليه- وكان ذلك - ثمرة معاهدة صداقة وتجارة أبرمها السلطان مع أمريكا في فترة المد الاستعماري الرأسمالي لأفريقيا – كما سيأتي-.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، عمرانيا وزراعيا، وتحولت من قرية صغيرة، إلى أن صارت تعتبر ثالث دولة تجارية في المحيط الهندي، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي الأفريقي والعمانيين، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه. - ولما كانت سياسة هذا السلطان تتركز على تنشيط التجارة فقد شجع الهنود على الهجرة فوفدت أعداد وفيرة منهم.
ثم قوى نفوذ الهنود في عهد الانجليز والألمان وأصبحوا أصحاب الأملاك والفنادق والمحلات التجارية.
بيد أن التوهج الحضاري الكبير لم يدم طويلا ، فبعد وفاة السلطان سعيد انكمشت تلك المملكة الواسعة بنفس السرعة التي ازدهرت بها وكان للاستعمار الغربي اليد الطولى في ذلك، فضلا عن عامل الصراعات بين الأخوة على الحكم – وما أكثرها في تاريخ عمان -
الاستعمار وحبائل الشيطان
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل أفريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. – وقد وصفها الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو، أثناء زيارتها، بأنها «بلد العاج الكبير»، بعد أن اشتهرت بكونها عاصمة" سلطنة أفرو-عرب" Afro - Arab Daynasty وكانت الكشوف الجغرافية في أفريقيا سببا كافيا لكي يلتهب خيال أوروبا بالطمع في أفريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. وفي القرن التاسع عشر احتدم صراع كبير بين الدول الرأسمالية الاستعمارية حول زنجبار بدأ بين بريطانيا وألمانيا، ثم تطور بعد ذلك ليصبح بين ايطاليا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، إلا أن أمريكا كانت اسبق الجميع حين وقعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823 بعد تدشين العلاقات الدبلوماسية الثنائية معها، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وتم فتح قنصليتها بالجزيرة في عام 1833. وفي عام 1839، وقعت بريطانيا معاهدة مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، بعد أن كانت بريطانيا وغيرها من الدول الرأسمالية الأوربية قد تشبعت تماما من هذه التجارة اللعينة وما وفرته لها من أيد عاملة مُستعبَدة، ومن ثرواتٍ طائلة، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أي سفن تمارس هذه التجارة. واقتضى الأمر أن تتخذ بريطانيا من قوتها البحرية وسيلة لمحاربة آخر معاقل هذه التجارة في زنجبار والسودان، ولكن بعد أن كانت قد حصدت أكبر المغانم قاطبة منها. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية امتدت الأصابع البريطانية لزرع بذور الشقاق والفتنة، وإذكاء روح العداوة والبغضاء بين الأسرة العربية الحاكمة من جانب، واللعب على حبل التناقضات العنصرية والجنسية بين القوميات الثلاث التي ينتمي إليها سكان الجزيرة ( العرب والأفارقة والشيرازين )، من جانب آخر، بالرغم من أنهم جميعا يدينون بدين الإسلام. وبعدها نجحوا في ضم الإفريقيين والشرازيين في حزب واحد.
لقد كان الاستعمار الأوربي مدركا لعناصر القوة التي تُكتب للحضارة العربية الإسلامية البقاء في شرق ووسط إفريقيا. فحاربها سياسيا بزراعة المفاهيم الخاطئة لدى النخبة المتعلمة من ذوي الأصول الإفريقية, وعمل على محو الأثر الثقافي العربي والإسلامي في شرق إفريقيا, كما تمثل ذلك فيما لقيه الحرف العربي من حرب بالنسبة للغة الصومالية واللغة السواحلية, وكان أهون الأشكال ما بدأت تظهره الإدارة الاستعمارية من ضيق بالوثائق والمداولات المكتبية المكتوبة باللغة العربية أو السواحلية بالحرف العربي.. وجعلت الإدارة الاستعمارية الألمانية في شرق إفريقيا استعمال الكتابة العربية في الدوائر الرسمية والوثائق الحكومية أمرا يحرمه القانون.
صراعات الأخوة وانعكاساتها
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19أكتوبر1856 ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه، وكالعادة استعان احدهما بالبريطانيين، وتدخل البريطانيون فشكلوا لجنة تحكيم برئاسة اللورد " كانتج" المندوب السامي في الهند، فقسم الإمبراطورية إلى جزأين أساسيين، هما عمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار وجعلها من نصيب السلطان ماجد. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عمان. وكان ذلك نذير شؤم بالنسبة لجناحي المملكة كليهما، فقد " فقدت عُمان جزءا كبيرا مـن إمبراطوريتها بعد ذلك وتعرض مدها للانحسار وتقوقعـت بعد ذلك داخل حدودها ومرت عليها فترات طـويلة قاسيـة انعزلـت فيها نهائيا عن العـالم الخارجي.. ثم عادت إلى الظهور مرة أخـرى بعد عام 1970 كـأنها طائر العنقاء يخرج جديدا من وسط الرماد ".
وداخل زنجبار ثار خلاف وشقاقٍ جديد بين الأخوة، فقد حاول برغش شقيق السلطان ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركهُ فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان ماجد بالبريطانيين، فتولوا حمايته بالقوة المسلحة، وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة.
وفي نوفمبر1886 قُسِّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يدم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، ومكن هذا الوضع الاستعمار الانجليزي من نزع زنجبار من سلطة العمانيين على الجزيرة، وتحويل مقاليد الأمور الحقيقية إلى أيديهم ، حتى أنهم عزلوا حاكما من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات والبعثات التبشيرية، التي تستند بقوة للغزو الثقافي وللإغراء المادي للفقراء، - وقد سهل سلطان زنجبار- رغم أنه مسلم - عمل تلك البعثات المسيحية، وعرض كافة المساعدات والتسهيلات للبعثات المسيحية عندما اتصلت به. وهذه مصيبة أخرى.
وللتحكم في عقول الطلائع الجديدة وخلق نخبة وطنية موالية له راحت أصابع الاستعمار تلعب وتتدخل في العملية التعليمية، وقررت الإدارة البريطانية استخدام الحروف الرومانية لكتابة اللغة السواحلية بحجة أن المبشرين والقساوسة قد استخدموها لمدة خمسين عاما في مجال التعليم, متجاهلة بذلك تجربة خمسة قرون متواصلة من استعمال الحرف العربي, ولما فتحت مدرسه في زنجبار سنة 1907م رفض كثير من السكان إرسال أبنائهم إلي هذه المدرسة خوفاً من الحركات التنصرية، التي كانت تستعمل المدارس لهذا الغرض، وقاوم أهالي زنجبار تلك السياسة الاستعمارية فقاطعوا التعليم الحكومي لمدة طويلة, ووصف البريطانيون الحماس الوطني بأنه (تحيز محلي)!
وأمام هذا الصمود والتشبث بالحرف العربي، شجعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الأفريقي إلى الجزيرة، لتغيير هويتها العربية، وتدريجيا بدأ البريطانيون في تكوين قوى وحركات سياسية وطنية موالية لهم داخل الجزيرة، عبر تقديم برامج لبناء مجدها السياسي على أسس من التفريق الإثني والعرقي بين العربي والإفريقي وهو ما أدى إلى إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة، وعمل الانجليز على تحجيم التواصل العربي الإسلامي مع شرق ووسط إفريقيا بوسائل إدارية كما يتبين من تلك الإجراءات المعقدة والمطولة في وجه الراغبين في السفر من مواطني غرب إفريقيا إلى دول شرق ووسط إفريقيا..
وانتهج المستعمرون والمبشرون الخبثاء وأعوانهم سياسة منظمة ومستمرة إزاء العرب " المسيطرين على الاقتصاد والتجارة " دأبت على بث الكراهية والتشويه المتعمد لصورتهم، وإثارة الأهالي الأفارقة ضدهم على اعتبار أن أولئك العرب هم الذين باعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين " وصبر البريطانيون طويلا وزرعوا كثيرا، وكان لا بد أن يثمر الزرع الذي زرعوه"
النهاية المأساوية
حتى صباح يوم السبت 11يناير عام 1964 كانت زنجبار لا تزال جزيرة عربية مستقلة، يحكمها سلطان عربي هو السلطان جمشيد بن عبد الله بوسعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان، وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلف الجزيرة، ومرت الساعات الأولى من الليل رطبة شتائية، وبعد منتصف الليل شق هدوء الجزيرة صوت بعض طلقات الرصاص. لم يستمر طويلا، بل سرعان بعده ما عاد الهدوء فذهب الناس إلى نومهم مطمئنين، غير مكترثين كثيرا لما حدث، ودون أن يتوقعوا أن الأسوأ في طريقه إليهم، وما هي إلا ساعة بعد انتصاف الليل، حتى وقع الفأس في الرأس، فقد اجتاحت الأحياء والدور العربية فرق من الجنود، فشرعوا في قتل سكانها واستباحوا النساء، ونهبوا البيوت والممتلكات، وخلال دقائق معدودة تحولت بيوت العرب وأحيائهم، إلى مسالخ وإلى حمامات دم، وأصبح قتل طفل أو شيخ أو امرأة عربية أسهل من التفكير بقتل نملة !!! وسقط منهم في هذه المذبحة المنظمة ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفا. وما أن طلع الصباح، صباح الأحد يوم 12يناير1964 الموافق 27 شعبان 1383هـ إلا وزنجبار، بر الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية، فقد كانت طلقات الرصاص تلك إيذانا بساعة الصفر لعملية حصار لمقر الحكم العربي. وعملية اجتياح مراكز الشرطة، والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الأفريقية والشيرازية - وأكثرهم مسلمون كانت أساليب التحريض والتجهيل والغزو الفكري الاستعمارية الخبيثة على مدى العقود الماضية، قد نجحت في تفريغ أدمغتهم من قيم الأخوة والتسامح الإسلامية وحشوها بنزعة التعصب العنصرية وبثقافة الحقد ضد العرب-.. انقلاب دموي كامل دبَّر بليل لاستئصال شأفة العرب حكاما ومحكومين، تم معظمه بالسلاح الأبيض، وفي أكثر الانقلابات وحشية ودموية في القرن العشرين.
ولم تكن الأصابع الاستعمارية الانجليزية البغيضة بريئة من هذه الجريمة البشعة، لأن الغرب لا يريد أن تقوم في هذا الجزء من القارة الأفريقية دولة إسلامية عربية. كما لا يمكننا إعفاء عرب الجزيرة – وخاصة أصحاب الأمر منهم – من المسئولية عما حدث، فلولا تفريطهم في أمرهم، وتراجع الوعي الديني والحضاري لديهم، ولولا غفلتهم وانشغالهم بأمور دنياهم، عما يدور من حولهم وعما يدبره أعداؤهم لهم، لما كان ما كان، وهذا طبعا مع تسليمنا بالقضاء والقدر.
وقد اتسم موقف العرب بشكل عام حيال محنة الإبادة التي تعرض لها العنصر المنحدر من أصل عربي في زنجبار في عام 1964 بالسلبية، وكانت العلاقة التي ربطت بعض الزعامات العربية بالرئيس التنزاني القس جوليوس نيريري في الستينيات, - الذي سبق وان شارك في التخطيط للانقلاب الدموي- سببا في ذلك الموقف السلبي للعالم العربي. بل أن هناك من يشير إلى أن بعض الأنظمة العربية الاشتراكية تولت تدريب القتلة. وقد دفعت السياسة العدائية التي انتهجها الحكام الجدد للجزيرة ضد العرب واللغة العربية بعد ذلك الانقلاب البشع، دفعت كثير من السكان من ذوي الأصول العربية والناجين من المذبحة إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو ممباسا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية في عمان واليمن وإمارات الخليج. وكان السلطان العربي المخلوع قد سبقهم بالفرار إلى الخارج. ليتولى السلطة عبيد كرومي- زعيم الحزب الأفرو- شيرازي الذي قام بالمذبحة- وبعد ذلك اتحدت زنجبار وتنجانيقا وتكونت منهما دولة جديدة أطلق عليها تنزانيا، وكانت تنجانيقا قد استقلت عن بريطانيا في ديسمبر1961، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في ديسمبر 1963، وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي. وفي 26ابريل 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا واختيرت دار السلام عاصمة لها. وتشكلت حكومة محلية لزنجبار وفوضت في بعض الصلاحيات المحلية، إلا الوظائف الإدارية العليا والإشرافية، وبخاصة الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية ونسبة المسلمين في مراكز صنع القرار في الحكومة المركزية لا تتعدى الـ 5% وكانت سياسة وديدن القس نيريربي إزالة أثار الحكم العربي الاسلامى في البلاد سواء تنزانيا بشكل عام أو زنجبار بشكل خاص. وأما المجرم عبيد كرومي حاكم الجزيرة فقد لقي مصرعه في مقر حزبه عام 1392 هـ – 1972، على يد الضابط محمود على سيف شقيق أحدى زوجاته من أصل عربي، دون أن يغير ذلك شيئا من واقع الحال.
لماذا العرب ولغتهم؟
بالرغم من أن العرب كانوا هم ضحية حرب الإبادة التي حدثت في زنجبار، إلا أنهم لم يكونوا مستهدفين كجنس أو كقومية، إنما لكونهم مسلمين يتكلمون اللغة العربية. ولم تكن اللغة العربية بدورها مستهدفة كلغة، إنما لكونها لغة القرآن الكريم- الذي هو دستور الإسلام- ولغة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أهم عامل في استمرار ارتباط المسلمين بالإسلام، وتمسكهم بتعاليمه، وذلك بالرغم من كل ما بذله المستعمرون والمستشرقون من جهود في محاربته، وبالرغم من كل الحملات التبشيرية التي عملت بصورة منهجية منذ عقود زمنية لإزالته كدين من الذاكرة الإفريقية.أي أن الإسلام كدين كان ولا يزال هو المستهدف. لكونه يشكل العمود الفقري لنمط الحياة اليومية للسكان المحليين هناك. كما أنه أهم عناصر القوة التي تكتب للحضارة العربية الإسلامية البقاء في شرق ووسط إفريقيا. وهذا ما أدركه الاستعمار الأوروبي وجعله يسعى لمحاربته.
وفي ظل النظام الوطني الجديد الذي أصبحت الكلمة العليا فيه للأقلية النصرانية، زادت حمى الحرب على الإسلام واللغة العربية في زنجبار، فتم منع تدريس كل من الدين الإسلامي واللغة العربية وتم إلغاء القضاء الشرعي، وتم إجبار المسلمات بأساليب الترغيب والترهيب على الزواج من المسيحيين لكي تستطيع حملات التبشير النجاح في مهمتها التنصيرية بشكل جماعي شامل. كما وضعت عراقيل وقيود متعددة أمام تحركات الدعاة المسلمين، إلى درجة أن على هؤلاء الدعاة أن يتقدموا بطلب رسمي لدخول الدولة قبل ستة أشهر من وقت سفرهم للتأكد من أن أولئك الدعاة لا ينتمون لجهة قد تهدد أمن تنزانيا، وبموازاة ذلك استمر الاهتمام بنشر المسيحية كما كان عليه الحال في أثناء النفوذ الإنجليزي والألماني. وبلغ عدد مدارس التبشير المسيحية مع بداية الحكم الوطني أكثر من خمسة آلاف مدرسة.وتهافت المبشرون على توزيع الكتب المسيحية باللغة المحلية "السواحيلية" والأجنبية (الإنجليزية)، وتم تشكيل مكتبة ضخمة سميت باسم "مجمع الكتب المسيحية"، وصار كل من يريد الحصول على الإنجيل يجده بلغته، وصار المسلمون يقرأون الإنجيل، ويفهمون معانيه قبل أن يسمعوا شيئا من القرآن، لأنهم بعد المذابح الرهيبة ومخططات التذويب التي قضت على كل ما هو عربي عقب الانقلاب المشئوم في يناير1964، أصبح كثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عن اللغة العربية ! هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية تم حظر التواصل بين المسلمين والمنظمات الإسلامية في تنزانيا بشكل عام وفي زنجبار بشكل خاص، وبين باقي المسلمين والمنظمات الإسلامية في الخارج، إلى درجة أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، ونجحت في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون الحصول على موافقة الحكومة الاتحادية في دار السلام.
ومن ناحية ثالثة تغلغلت نفوذ حركات التنصير في الدولة، حتى صار جلّ موظفي الدولة من المسيحيين، وصار اقتصاد البلد بأيديهم، وبالغوا في إقامة الكنائس، حتى بلغت نسبتها كنيسة مقابل كل مائة مسيحي، رغم كون المسلمين يشكلون نسبة 97% من سكان زنجبار. وأصبح المسلمون فريسة للفقر والأمية والتخلف العلمي، وهو ما جعلهم عرضة لكي تساومهم حركات التبشير الحاضرة والجاهزة على دينهم مقابل بعض الفتات والمساعدات التافهة التي تقدمها لهم.
الواقع الحالي
مع كل تلك التحديات والمشاكل فلا زال المسلمون يفخرون بهويتهم الإسلامية ويكافحون من أجل التغيير لتحسين مستويات حياتهم ورفع الظلم الواقع عنهم، ويجاهدون من أجل الحفاظ على دينهم، والإقبال على تعلم أحكامه واللغة العربية. وتم مؤخرا تأسيس مجلس أعلى للشؤون الإسلامية ومدارس إسلامية في زنجبار ومدرسة عربية وحيدة في دار السلام وهي مدرسة الجنيد. كما تم إنشاء وزارة للتعليم وزارة للأوقاف ودار للفتوى تضم العديد من العلماء الذين تخرجوا في الكليات الأزهرية والكليات الإسلامية في بلدان العالم العربي.. كما تم إنشاء المجلس الإسلامي بدعم من الدول العربية.. وأسس هذا المجلس بعض المدارس الإسلامية والمستوصفات لتقديم الخدمات الطبية وصرف العلاج بالمجان لأبناء المسلمين. وكان رئيس زنجبار الأسبق سالمين عامر جمعة قدم اعتذارا رسميا لسلطنة عمان عندما زارها عام 1991. ويمكن القول أن أحوال المسلمين في زنجبار في الوقت الراهن أفضل إلى حد ما عما كانت عليه سابقا. بيد أن هذا التوجه الديني يبقى غير بعيد عن رقابة الحكومة العلمانية لتنزانيا، وهو يعتبر مصدر قلق كبير لها، وتعمد لمواجهته والحد منه بفرض المزيد من القيود والمعوقات، ويتم مواجهة أية احتجاجات أو تحركات سياسية معارضة يقوم بها المسلمون في جزيرة زنجبار دون رحمة، ففي فبراير2001 قتلت الشرطة التنزانية 70 مسلما بزعم وقف مظاهرة سلمية.
المصادر
- محمود عبد الوهاب: زنجبار أندلس أفريقيا ( استطلاع)، العربي العدد 359، أكتوبر1988
Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2006/11/1/Art_75753.xml')">"نظرة على زنجبار ( استطلاع )، العربي العدد 576 ، نوفمبر2006 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2000/6/1/Art_36137.XML')">"الخليج العربي وشرق إفريقيا ( مقال)، العربي العدد 499 يونيو2000 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/1992/9/1/Art_12451.XML')">"الكشوف الجغرافية وتجارة العبيد، العربي العدد 406 سبتمبر1992 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2004/6/1/Art_65188.xml')">"الأشرعة الملونة.. تاريخ عُمان بريشة رسام أمريكي( مقال)، العربي العدد 547 يونيو2004
- محمد المنسي قنديل، الخريف في صلالة ( استطلاع ) ، العربي العدد 421، ديسمبر1993
- http://www.fin3go.com/newFin/op.php?...020&parentId=8
- أ.د. صالح علي باصرة، الهجرة اليمنية إلى شرق أفريقيا حتى منتصف القرن العشرين، http://alas7ag.jeeran.com
- الموسوعة العربية http://www.arabency.com/index.php?mo...d=14674&vid=24
- محمد عبيد غباش، عمان الوادعة ، الشرق الأوسط الأثنين العدد 9702 21 يونيو2005
- http://www.islamicnews.net/Common/Vi...=5&ItemID=1264
- http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=17233
- مجلة الحرس الوطني السعودية ، مقابلة مع مفتي زنجبار ، العدد 283 ، 1/12/2005 http://www.ngm.gov.sa/Detail.asp?InNewsItemID=180224
- http://www.arabrenewal.org/articles/...aYa/OYIE1.html
لم تكن الأندلس هي الفردوس الأولى ولا الأخيرة، التي يفقدها العرب، أو يتم إخراجهم عنوة منها، بعد قرون من وجودهم وحضارتهم الزاهرة فيها، فهناك – في حقيقة الأمر - أكثر من فردوس أو أندلس عربية مفقود، لا يملك المرء عند ذكرها إلا الشعور بالألم والحسرة، على هذه الأمجاد الضائعة، رغم مرارة وبؤس الواقع العربي الراهن. والذي يزداد تدهورا يوما بعد يوم. وهاهنا واحدة من تلك الجنان المفقودة والأمجاد الضائعة..إنها زنجبار مملكة العرب القديمة ومفتاح الشاطئ الشرقي لأفريقيا، وأشهر مركز إشعاع إسلامي في القارة السوداء. زنجبار الجزيرة الخضراء البديعة العبقة، حيث اللسان عربي، والتاريخ عربي، والتراث الحضاري عربي، والحكم عربي حتى قبل 44عاما فقط مضت.. الفارق أن زنجبار لا بواكي لها. فكيف كانت بداية الوجود العربي.. وكيف انتهى أفول الخروج؟
بر الزنـج
زنجبار عبارة عن جزيرة تبدو صغيرة في حجمها، ولكنها كبيرة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبطبيعتها الجميلة الخلابة، وبشعبها الحيوي النشط، وهي تقع في المحيط الهندي على بعد عشرين ميلاً عن الساحل الشرقي لأفريقيا، ويعني اسمها باللغة العربية "بر الزنج". أو ساحل الزنج، وتكتب باللغة الإنجليزية هكذا ( Zanzibar )، وتبلغ مساحة زنجبار– أو الجزيرة الخضراء، كما يحلو لسكانها في وصفها - حوالي1600كم مربع، وأما عدد سكانها فيبلغ – طبقا لآخر الإحصائيات - زهاء مليون نسمة منهم حوالي 97% مسلمون. وهم من الأفارقة والعرب والفرس والهنود. والنسبة الباقية فتتشكل من المسيحيين والهندوس.
واللغة السائدة فيها حاليا هي اللغة السواحلية وهي مزيج من لغات أفريقية قديمة واللغة العربية. ويقدر بعض علماء اللغة أن 70% من اللغة السواحلية من أصل عربي. وتتبع جزيرة زنجبار سياسيا دولة تنزانيا الحديثة النشأة والتكوين وتخضع لنظام حكم شبه ذاتي.
وتجمع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب – وتحديدا عرب الجنوب الذين ركبوا البحر منذ القدم – قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، وأمتد نشاطهم التجاري حتى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة، وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند. ويحدثنا التاريخ بأن الحبشة أسسها عرب الجنوب الذين حكموا "الصومال" وما جاورها وأن"زنجبار" كان يحكمها سلطان عربي. وكل هؤلاء قدموا إلى هذه البلاد واستوطنوها مع جاليات ضخمة من العرب عن طريق البحر، بسبب نشاطهم الملاحي الذي كان سبباً لانتشارهم في أكثر البلاد والمدن الساحلية التي تقع على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي. وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية السائدة في زنجبار ومنها انتشرت إلى العديد من الدول الإفريقية المجاورة.
ويقول المسعودى في سياق الحديث عن التجارة بأن أصحاب المراكب الذين كانوا يبحرون إلى أفريقيا الشرقية في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي كانوا عربا، ووصلوا حتى ميناء سفاله في موزمبيق الذي كان آنذاك مرفأً لتجارة الذهب القادمة من داخل البلاد . وكانت السلع التي تسعى المراكب لجلبها هي الذهب والعاج والأخشاب والتوابل والعنبر.واستمر الحال هكذا حتى سقوط بغداد في يد الغزاة المنغوليين عام 656هـ / 1258م مما أدى مرة أخرى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى بلدان سواحل شرق القارة .
وتبين الآثار التاريخية المادية أن العلاقات التجارية التي ربطت دول الخليج العربية الحالية بشرق إفريقيا منذ القدم, لم تنقطع إلا بعد ظهور النفط.
مركز إشعاع إسلامي
وتاريخيا تعتبر زنجبار أرضا مسلمةً منذ القرن الأول الهجري. وقد انتشر فيها الإسلام نتيجة الهجرات المنظمة والمتوالية لبعض القبائل الأزدية والحضرمية والشيرازية إليها ثم نتيجة للعلاقات التجارية بينها وبين عرب الجنوب والخليج. وما كان يتحلى به هؤلاء التجار من سلوك قويم ومعاملة حسنة. وتعود أقدم الهجرات العربية إليها إلى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان ( 65-86هـ) الموافق ( 685- 705م ). أثناء حملات الحجاج الثقفي العسكرية لضم عمان إلى الدولة الأموية.
وتجدر الإشارة إلى أن القبائل العربية التي هاجرت إلى زنجبار وشرق أفريقيا بعد الإسلام، لم تكن بوافدة على بيئة غريبة عليها, فقد كان هنالك تواصل وتداخل بين الجزيرة العربية والمناطق الإفريقية الداخلية منذ ما قبل الميلاد, تولد عنه كيان بشري وثقافة مشتركة، وقد شكل هذا الوعاء اللغوي والثقافي المشترك عاملا مهما لانتشار الإسلام في هذه المنطقة، بصورة تلقائية عن طريق الدعوة والإقناع، ومن ثم سهولة بسط نفوذ العرب المسلمين السياسي والثقافي في شرق أفريقيا. وكان من نتيجة انتشار الإسلام والمسلمين في المنطقة أن حل العرب والمسلمون محل غيرهم في التجارة البحرية بالمنطقة اعتبارا من القرن الثاني للهجرة ( الثامن الميلادي ) - وقد قامت في زنجبار أول دولة إسلامية عربية في أفريقيا وظلت زنجبار على مدى قرون عديدة من أهم مراكز نشر الإسلام واللغة العربية في شرق القارة الأفريقية.
وهناك من الباحثين من يرجع دخول الإسلام إلى زنجبار وشرق أفريقيا إلى مرحلة سابقة لهجرة تلك القبائل العربية إليها، وهي مرحلة فجر الإسلام، حين خرج العرب الذين أنار الدين الجديد عقولهم وحرر أخلاقهم وجدد هممهم، لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا – أثناء ذلك - من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية – بما فيها زنجبار- ويستدلون على ذلك بكون تلك المجتمعات الإفريقية لم تتبن المذاهب الفقهية أو العقائدية التي كانت تسود في المناطق التي هاجر منها أولئك العرب المسلمون. فلا نجد مثلا المذهب الإباضي أو المذهب الشيعي منتشرا في مناطق شرق إفريقيا أو وسطها. وهو ما ينطبق على زنجبار نفسها باستثناء الأسرة الحاكمة، والملتفين حولها، والذين اقتصرت أنشطتهم على التجارة والزراعة.إلى جانب أعداد قليلة من الشيعة وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والذين وفدوا إليها في مراحل لاحقة. ولذلك فقد ظلت زنجبار بمنأى عن الصراعات والفتن المذهبية لمدة طويلة، ولم تعرف الجاليات الإسلامية هذه الفتن إلا لمرة واحدة تقريبا، وذلك في عام 1336هـ الموافق 1928م ، أي بعد وقوع الجزيرة في براثن الاستعمار الانجليزي، وكانت هذه الفتنة بين الحضارم والعمانيين نتيجة للخلاف المذهبي بينهما– وهذا كما ذكر الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة في مقال له نقلا عن أحد المصادر-.
السيادة العمانية
وقد خضعت زنجبار تاريخيا لسلطنة حكام عمان سواء عندما حكمها اليعاربة (1624ـ1742)، أو آل بوسعيد، (البوسعيديين), الذين يعتبر عصرهم هو العصر الذهبي للوجود العماني في شرق إفريقيا. وكان سلطان عمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشو وأسمرة ومدن كثيرة حتى وسط أفريقيا. وفي فترة حكمهم انتشرت الثقافة العربية الإسلامية – ليس في زنجبار قاعدة حكمهم في أفريقيا فحسب – وإنما على طول الساحل الشرقي الإفريقي وفي الداخل. وقد ظلت سيطرة العمانيين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، ولم تنقطع خلالها إلا فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية، ثم من الاستعمار والتأثير البرتغالي، وتحديدا منذ القرن الخامس عشر وحتى أواخر القرن السابع عشر، إلى أن طرد الأمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان ومنطقة الخليج، ثم من زنجبار في العام 1652 ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا. ولقد أغرى ذلك الانتصار العمانيين بملاحقة البرتغاليين في المحيط الهندي وإلى شواطئ إفريقيا, كما لا يمكن إهمال الجانب الديني والوطني الذي دفع (عمان) لتخليص عرب ومسلمي شرق إفريقيا من الاستعمار البرتغالي. وكان لتحرر الإمارات الإسلامية من الكابوس البرتغالي أثر عميق في استعادة الحركة الإسلامية نشاطها. وبدأ الإسلام بالتوغل فعلياً نحو الداخل، عن طريق التجار والدعاة والذين نشطوا في نشر عقيدة التوحيد، في موزمبيق وسفالة، ونفذوا إلى منطقة نياسالاند (ملاوي اليوم)، وهضبة البحيرات ومملكة بوغندة (أوغندة) وكينية وتنجانيقا حتى حدود الكونغو، وأقيمت المساجد والكتاتيب في كل مدينة وقرية. وأحرز الإسلام تقدماً مماثلاً في مناطق شمال مقديشو. كما تسرب سلمياً إلى قلب الحبشة طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان للاتصال المستمر بين هذه الإمارات والعالم الإسلامي أثره الكبير في انتشار الإسلام والثقافة العربية الإسلامية.
لؤلؤة المملكة
كان النظام المستقر أن جزيرة زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعان لسلطان عمان الذي كان يحكم من عمان، ويفوض ولاةً على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية. وفي عام 1828م قام السلطان سعيد بن سلطان أو السيد البحار كـما كان الأوربيون يطلقون عليه – والذي لم يكن يبلغ حينذاك 18 عامًا – قام بزيارة إلى جناح مملكته في شرق أفريقيا، وعندما وصل إلى زنجبار استهواه جمالها وطيب مناخها مقارنة بهجير عمان، فجعل الجزيرة مقره الرسمي، وعاصمة لمملكة يحكم منها عمان وساحل أفريقيا- بدلا عن مسقط - وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عمان الواسعة والمترامية، وسرعان ما تعاظمت وتكثفت هجرات العمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم. وإلى السلطان سعيد بن سلطان ( 1807- 1856 ) يعود الفضل في كونه أول من زرع شجر القرنفل في الجزيرة والتوسع فيها، على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله. وقد استمر هذا السلطان البحار التاجر يحكم الجزيرة لمدة 50 عامًا متواصلة. وقد مات وهو يقود سفينته كـما تمنى وكـما عاش دوما. وفي عهدة وصلت أول سفينة عربية إلى ميناء نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في 13أبريل 1840. حاملة هدايا إلى الرئيس الأمريكي: حصانين ولآلئ وأحجار كريمة وسبيكة من الذهب وسجادة عجمية من حرير وعطر وماء ورد وأكثر من شال كشميري وسيف مذهب- إلى جانب مبعـوث السلطـان الخاص إليه- وكان ذلك - ثمرة معاهدة صداقة وتجارة أبرمها السلطان مع أمريكا في فترة المد الاستعماري الرأسمالي لأفريقيا – كما سيأتي-.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، عمرانيا وزراعيا، وتحولت من قرية صغيرة، إلى أن صارت تعتبر ثالث دولة تجارية في المحيط الهندي، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي الأفريقي والعمانيين، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه. - ولما كانت سياسة هذا السلطان تتركز على تنشيط التجارة فقد شجع الهنود على الهجرة فوفدت أعداد وفيرة منهم.
ثم قوى نفوذ الهنود في عهد الانجليز والألمان وأصبحوا أصحاب الأملاك والفنادق والمحلات التجارية.
بيد أن التوهج الحضاري الكبير لم يدم طويلا ، فبعد وفاة السلطان سعيد انكمشت تلك المملكة الواسعة بنفس السرعة التي ازدهرت بها وكان للاستعمار الغربي اليد الطولى في ذلك، فضلا عن عامل الصراعات بين الأخوة على الحكم – وما أكثرها في تاريخ عمان -
الاستعمار وحبائل الشيطان
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل أفريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. – وقد وصفها الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو، أثناء زيارتها، بأنها «بلد العاج الكبير»، بعد أن اشتهرت بكونها عاصمة" سلطنة أفرو-عرب" Afro - Arab Daynasty وكانت الكشوف الجغرافية في أفريقيا سببا كافيا لكي يلتهب خيال أوروبا بالطمع في أفريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. وفي القرن التاسع عشر احتدم صراع كبير بين الدول الرأسمالية الاستعمارية حول زنجبار بدأ بين بريطانيا وألمانيا، ثم تطور بعد ذلك ليصبح بين ايطاليا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، إلا أن أمريكا كانت اسبق الجميع حين وقعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823 بعد تدشين العلاقات الدبلوماسية الثنائية معها، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وتم فتح قنصليتها بالجزيرة في عام 1833. وفي عام 1839، وقعت بريطانيا معاهدة مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، بعد أن كانت بريطانيا وغيرها من الدول الرأسمالية الأوربية قد تشبعت تماما من هذه التجارة اللعينة وما وفرته لها من أيد عاملة مُستعبَدة، ومن ثرواتٍ طائلة، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أي سفن تمارس هذه التجارة. واقتضى الأمر أن تتخذ بريطانيا من قوتها البحرية وسيلة لمحاربة آخر معاقل هذه التجارة في زنجبار والسودان، ولكن بعد أن كانت قد حصدت أكبر المغانم قاطبة منها. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية امتدت الأصابع البريطانية لزرع بذور الشقاق والفتنة، وإذكاء روح العداوة والبغضاء بين الأسرة العربية الحاكمة من جانب، واللعب على حبل التناقضات العنصرية والجنسية بين القوميات الثلاث التي ينتمي إليها سكان الجزيرة ( العرب والأفارقة والشيرازين )، من جانب آخر، بالرغم من أنهم جميعا يدينون بدين الإسلام. وبعدها نجحوا في ضم الإفريقيين والشرازيين في حزب واحد.
لقد كان الاستعمار الأوربي مدركا لعناصر القوة التي تُكتب للحضارة العربية الإسلامية البقاء في شرق ووسط إفريقيا. فحاربها سياسيا بزراعة المفاهيم الخاطئة لدى النخبة المتعلمة من ذوي الأصول الإفريقية, وعمل على محو الأثر الثقافي العربي والإسلامي في شرق إفريقيا, كما تمثل ذلك فيما لقيه الحرف العربي من حرب بالنسبة للغة الصومالية واللغة السواحلية, وكان أهون الأشكال ما بدأت تظهره الإدارة الاستعمارية من ضيق بالوثائق والمداولات المكتبية المكتوبة باللغة العربية أو السواحلية بالحرف العربي.. وجعلت الإدارة الاستعمارية الألمانية في شرق إفريقيا استعمال الكتابة العربية في الدوائر الرسمية والوثائق الحكومية أمرا يحرمه القانون.
صراعات الأخوة وانعكاساتها
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19أكتوبر1856 ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه، وكالعادة استعان احدهما بالبريطانيين، وتدخل البريطانيون فشكلوا لجنة تحكيم برئاسة اللورد " كانتج" المندوب السامي في الهند، فقسم الإمبراطورية إلى جزأين أساسيين، هما عمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار وجعلها من نصيب السلطان ماجد. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عمان. وكان ذلك نذير شؤم بالنسبة لجناحي المملكة كليهما، فقد " فقدت عُمان جزءا كبيرا مـن إمبراطوريتها بعد ذلك وتعرض مدها للانحسار وتقوقعـت بعد ذلك داخل حدودها ومرت عليها فترات طـويلة قاسيـة انعزلـت فيها نهائيا عن العـالم الخارجي.. ثم عادت إلى الظهور مرة أخـرى بعد عام 1970 كـأنها طائر العنقاء يخرج جديدا من وسط الرماد ".
وداخل زنجبار ثار خلاف وشقاقٍ جديد بين الأخوة، فقد حاول برغش شقيق السلطان ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركهُ فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان ماجد بالبريطانيين، فتولوا حمايته بالقوة المسلحة، وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة.
وفي نوفمبر1886 قُسِّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يدم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، ومكن هذا الوضع الاستعمار الانجليزي من نزع زنجبار من سلطة العمانيين على الجزيرة، وتحويل مقاليد الأمور الحقيقية إلى أيديهم ، حتى أنهم عزلوا حاكما من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات والبعثات التبشيرية، التي تستند بقوة للغزو الثقافي وللإغراء المادي للفقراء، - وقد سهل سلطان زنجبار- رغم أنه مسلم - عمل تلك البعثات المسيحية، وعرض كافة المساعدات والتسهيلات للبعثات المسيحية عندما اتصلت به. وهذه مصيبة أخرى.
وللتحكم في عقول الطلائع الجديدة وخلق نخبة وطنية موالية له راحت أصابع الاستعمار تلعب وتتدخل في العملية التعليمية، وقررت الإدارة البريطانية استخدام الحروف الرومانية لكتابة اللغة السواحلية بحجة أن المبشرين والقساوسة قد استخدموها لمدة خمسين عاما في مجال التعليم, متجاهلة بذلك تجربة خمسة قرون متواصلة من استعمال الحرف العربي, ولما فتحت مدرسه في زنجبار سنة 1907م رفض كثير من السكان إرسال أبنائهم إلي هذه المدرسة خوفاً من الحركات التنصرية، التي كانت تستعمل المدارس لهذا الغرض، وقاوم أهالي زنجبار تلك السياسة الاستعمارية فقاطعوا التعليم الحكومي لمدة طويلة, ووصف البريطانيون الحماس الوطني بأنه (تحيز محلي)!
وأمام هذا الصمود والتشبث بالحرف العربي، شجعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الأفريقي إلى الجزيرة، لتغيير هويتها العربية، وتدريجيا بدأ البريطانيون في تكوين قوى وحركات سياسية وطنية موالية لهم داخل الجزيرة، عبر تقديم برامج لبناء مجدها السياسي على أسس من التفريق الإثني والعرقي بين العربي والإفريقي وهو ما أدى إلى إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة، وعمل الانجليز على تحجيم التواصل العربي الإسلامي مع شرق ووسط إفريقيا بوسائل إدارية كما يتبين من تلك الإجراءات المعقدة والمطولة في وجه الراغبين في السفر من مواطني غرب إفريقيا إلى دول شرق ووسط إفريقيا..
وانتهج المستعمرون والمبشرون الخبثاء وأعوانهم سياسة منظمة ومستمرة إزاء العرب " المسيطرين على الاقتصاد والتجارة " دأبت على بث الكراهية والتشويه المتعمد لصورتهم، وإثارة الأهالي الأفارقة ضدهم على اعتبار أن أولئك العرب هم الذين باعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين " وصبر البريطانيون طويلا وزرعوا كثيرا، وكان لا بد أن يثمر الزرع الذي زرعوه"
النهاية المأساوية
حتى صباح يوم السبت 11يناير عام 1964 كانت زنجبار لا تزال جزيرة عربية مستقلة، يحكمها سلطان عربي هو السلطان جمشيد بن عبد الله بوسعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان، وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلف الجزيرة، ومرت الساعات الأولى من الليل رطبة شتائية، وبعد منتصف الليل شق هدوء الجزيرة صوت بعض طلقات الرصاص. لم يستمر طويلا، بل سرعان بعده ما عاد الهدوء فذهب الناس إلى نومهم مطمئنين، غير مكترثين كثيرا لما حدث، ودون أن يتوقعوا أن الأسوأ في طريقه إليهم، وما هي إلا ساعة بعد انتصاف الليل، حتى وقع الفأس في الرأس، فقد اجتاحت الأحياء والدور العربية فرق من الجنود، فشرعوا في قتل سكانها واستباحوا النساء، ونهبوا البيوت والممتلكات، وخلال دقائق معدودة تحولت بيوت العرب وأحيائهم، إلى مسالخ وإلى حمامات دم، وأصبح قتل طفل أو شيخ أو امرأة عربية أسهل من التفكير بقتل نملة !!! وسقط منهم في هذه المذبحة المنظمة ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفا. وما أن طلع الصباح، صباح الأحد يوم 12يناير1964 الموافق 27 شعبان 1383هـ إلا وزنجبار، بر الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية، فقد كانت طلقات الرصاص تلك إيذانا بساعة الصفر لعملية حصار لمقر الحكم العربي. وعملية اجتياح مراكز الشرطة، والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الأفريقية والشيرازية - وأكثرهم مسلمون كانت أساليب التحريض والتجهيل والغزو الفكري الاستعمارية الخبيثة على مدى العقود الماضية، قد نجحت في تفريغ أدمغتهم من قيم الأخوة والتسامح الإسلامية وحشوها بنزعة التعصب العنصرية وبثقافة الحقد ضد العرب-.. انقلاب دموي كامل دبَّر بليل لاستئصال شأفة العرب حكاما ومحكومين، تم معظمه بالسلاح الأبيض، وفي أكثر الانقلابات وحشية ودموية في القرن العشرين.
ولم تكن الأصابع الاستعمارية الانجليزية البغيضة بريئة من هذه الجريمة البشعة، لأن الغرب لا يريد أن تقوم في هذا الجزء من القارة الأفريقية دولة إسلامية عربية. كما لا يمكننا إعفاء عرب الجزيرة – وخاصة أصحاب الأمر منهم – من المسئولية عما حدث، فلولا تفريطهم في أمرهم، وتراجع الوعي الديني والحضاري لديهم، ولولا غفلتهم وانشغالهم بأمور دنياهم، عما يدور من حولهم وعما يدبره أعداؤهم لهم، لما كان ما كان، وهذا طبعا مع تسليمنا بالقضاء والقدر.
وقد اتسم موقف العرب بشكل عام حيال محنة الإبادة التي تعرض لها العنصر المنحدر من أصل عربي في زنجبار في عام 1964 بالسلبية، وكانت العلاقة التي ربطت بعض الزعامات العربية بالرئيس التنزاني القس جوليوس نيريري في الستينيات, - الذي سبق وان شارك في التخطيط للانقلاب الدموي- سببا في ذلك الموقف السلبي للعالم العربي. بل أن هناك من يشير إلى أن بعض الأنظمة العربية الاشتراكية تولت تدريب القتلة. وقد دفعت السياسة العدائية التي انتهجها الحكام الجدد للجزيرة ضد العرب واللغة العربية بعد ذلك الانقلاب البشع، دفعت كثير من السكان من ذوي الأصول العربية والناجين من المذبحة إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو ممباسا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية في عمان واليمن وإمارات الخليج. وكان السلطان العربي المخلوع قد سبقهم بالفرار إلى الخارج. ليتولى السلطة عبيد كرومي- زعيم الحزب الأفرو- شيرازي الذي قام بالمذبحة- وبعد ذلك اتحدت زنجبار وتنجانيقا وتكونت منهما دولة جديدة أطلق عليها تنزانيا، وكانت تنجانيقا قد استقلت عن بريطانيا في ديسمبر1961، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في ديسمبر 1963، وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي. وفي 26ابريل 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا واختيرت دار السلام عاصمة لها. وتشكلت حكومة محلية لزنجبار وفوضت في بعض الصلاحيات المحلية، إلا الوظائف الإدارية العليا والإشرافية، وبخاصة الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية ونسبة المسلمين في مراكز صنع القرار في الحكومة المركزية لا تتعدى الـ 5% وكانت سياسة وديدن القس نيريربي إزالة أثار الحكم العربي الاسلامى في البلاد سواء تنزانيا بشكل عام أو زنجبار بشكل خاص. وأما المجرم عبيد كرومي حاكم الجزيرة فقد لقي مصرعه في مقر حزبه عام 1392 هـ – 1972، على يد الضابط محمود على سيف شقيق أحدى زوجاته من أصل عربي، دون أن يغير ذلك شيئا من واقع الحال.
لماذا العرب ولغتهم؟
بالرغم من أن العرب كانوا هم ضحية حرب الإبادة التي حدثت في زنجبار، إلا أنهم لم يكونوا مستهدفين كجنس أو كقومية، إنما لكونهم مسلمين يتكلمون اللغة العربية. ولم تكن اللغة العربية بدورها مستهدفة كلغة، إنما لكونها لغة القرآن الكريم- الذي هو دستور الإسلام- ولغة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أهم عامل في استمرار ارتباط المسلمين بالإسلام، وتمسكهم بتعاليمه، وذلك بالرغم من كل ما بذله المستعمرون والمستشرقون من جهود في محاربته، وبالرغم من كل الحملات التبشيرية التي عملت بصورة منهجية منذ عقود زمنية لإزالته كدين من الذاكرة الإفريقية.أي أن الإسلام كدين كان ولا يزال هو المستهدف. لكونه يشكل العمود الفقري لنمط الحياة اليومية للسكان المحليين هناك. كما أنه أهم عناصر القوة التي تكتب للحضارة العربية الإسلامية البقاء في شرق ووسط إفريقيا. وهذا ما أدركه الاستعمار الأوروبي وجعله يسعى لمحاربته.
وفي ظل النظام الوطني الجديد الذي أصبحت الكلمة العليا فيه للأقلية النصرانية، زادت حمى الحرب على الإسلام واللغة العربية في زنجبار، فتم منع تدريس كل من الدين الإسلامي واللغة العربية وتم إلغاء القضاء الشرعي، وتم إجبار المسلمات بأساليب الترغيب والترهيب على الزواج من المسيحيين لكي تستطيع حملات التبشير النجاح في مهمتها التنصيرية بشكل جماعي شامل. كما وضعت عراقيل وقيود متعددة أمام تحركات الدعاة المسلمين، إلى درجة أن على هؤلاء الدعاة أن يتقدموا بطلب رسمي لدخول الدولة قبل ستة أشهر من وقت سفرهم للتأكد من أن أولئك الدعاة لا ينتمون لجهة قد تهدد أمن تنزانيا، وبموازاة ذلك استمر الاهتمام بنشر المسيحية كما كان عليه الحال في أثناء النفوذ الإنجليزي والألماني. وبلغ عدد مدارس التبشير المسيحية مع بداية الحكم الوطني أكثر من خمسة آلاف مدرسة.وتهافت المبشرون على توزيع الكتب المسيحية باللغة المحلية "السواحيلية" والأجنبية (الإنجليزية)، وتم تشكيل مكتبة ضخمة سميت باسم "مجمع الكتب المسيحية"، وصار كل من يريد الحصول على الإنجيل يجده بلغته، وصار المسلمون يقرأون الإنجيل، ويفهمون معانيه قبل أن يسمعوا شيئا من القرآن، لأنهم بعد المذابح الرهيبة ومخططات التذويب التي قضت على كل ما هو عربي عقب الانقلاب المشئوم في يناير1964، أصبح كثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عن اللغة العربية ! هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية تم حظر التواصل بين المسلمين والمنظمات الإسلامية في تنزانيا بشكل عام وفي زنجبار بشكل خاص، وبين باقي المسلمين والمنظمات الإسلامية في الخارج، إلى درجة أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، ونجحت في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون الحصول على موافقة الحكومة الاتحادية في دار السلام.
ومن ناحية ثالثة تغلغلت نفوذ حركات التنصير في الدولة، حتى صار جلّ موظفي الدولة من المسيحيين، وصار اقتصاد البلد بأيديهم، وبالغوا في إقامة الكنائس، حتى بلغت نسبتها كنيسة مقابل كل مائة مسيحي، رغم كون المسلمين يشكلون نسبة 97% من سكان زنجبار. وأصبح المسلمون فريسة للفقر والأمية والتخلف العلمي، وهو ما جعلهم عرضة لكي تساومهم حركات التبشير الحاضرة والجاهزة على دينهم مقابل بعض الفتات والمساعدات التافهة التي تقدمها لهم.
الواقع الحالي
مع كل تلك التحديات والمشاكل فلا زال المسلمون يفخرون بهويتهم الإسلامية ويكافحون من أجل التغيير لتحسين مستويات حياتهم ورفع الظلم الواقع عنهم، ويجاهدون من أجل الحفاظ على دينهم، والإقبال على تعلم أحكامه واللغة العربية. وتم مؤخرا تأسيس مجلس أعلى للشؤون الإسلامية ومدارس إسلامية في زنجبار ومدرسة عربية وحيدة في دار السلام وهي مدرسة الجنيد. كما تم إنشاء وزارة للتعليم وزارة للأوقاف ودار للفتوى تضم العديد من العلماء الذين تخرجوا في الكليات الأزهرية والكليات الإسلامية في بلدان العالم العربي.. كما تم إنشاء المجلس الإسلامي بدعم من الدول العربية.. وأسس هذا المجلس بعض المدارس الإسلامية والمستوصفات لتقديم الخدمات الطبية وصرف العلاج بالمجان لأبناء المسلمين. وكان رئيس زنجبار الأسبق سالمين عامر جمعة قدم اعتذارا رسميا لسلطنة عمان عندما زارها عام 1991. ويمكن القول أن أحوال المسلمين في زنجبار في الوقت الراهن أفضل إلى حد ما عما كانت عليه سابقا. بيد أن هذا التوجه الديني يبقى غير بعيد عن رقابة الحكومة العلمانية لتنزانيا، وهو يعتبر مصدر قلق كبير لها، وتعمد لمواجهته والحد منه بفرض المزيد من القيود والمعوقات، ويتم مواجهة أية احتجاجات أو تحركات سياسية معارضة يقوم بها المسلمون في جزيرة زنجبار دون رحمة، ففي فبراير2001 قتلت الشرطة التنزانية 70 مسلما بزعم وقف مظاهرة سلمية.
المصادر
- محمود عبد الوهاب: زنجبار أندلس أفريقيا ( استطلاع)، العربي العدد 359، أكتوبر1988
Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2006/11/1/Art_75753.xml')">"نظرة على زنجبار ( استطلاع )، العربي العدد 576 ، نوفمبر2006 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2000/6/1/Art_36137.XML')">"الخليج العربي وشرق إفريقيا ( مقال)، العربي العدد 499 يونيو2000 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/1992/9/1/Art_12451.XML')">"الكشوف الجغرافية وتجارة العبيد، العربي العدد 406 سبتمبر1992 Read_Art('http://www.alarabimag.com/arabi/data/2004/6/1/Art_65188.xml')">"الأشرعة الملونة.. تاريخ عُمان بريشة رسام أمريكي( مقال)، العربي العدد 547 يونيو2004
- محمد المنسي قنديل، الخريف في صلالة ( استطلاع ) ، العربي العدد 421، ديسمبر1993
- http://www.fin3go.com/newFin/op.php?...020&parentId=8
- أ.د. صالح علي باصرة، الهجرة اليمنية إلى شرق أفريقيا حتى منتصف القرن العشرين، http://alas7ag.jeeran.com
- الموسوعة العربية http://www.arabency.com/index.php?mo...d=14674&vid=24
- محمد عبيد غباش، عمان الوادعة ، الشرق الأوسط الأثنين العدد 9702 21 يونيو2005
- http://www.islamicnews.net/Common/Vi...=5&ItemID=1264
- http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=17233
- مجلة الحرس الوطني السعودية ، مقابلة مع مفتي زنجبار ، العدد 283 ، 1/12/2005 http://www.ngm.gov.sa/Detail.asp?InNewsItemID=180224
- http://www.arabrenewal.org/articles/...aYa/OYIE1.html
زنجبار
شبكة الإمام الرضا
تقع جزيرة زنجبار سياسياً ضمن إطار دولة تنزانيا، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كم مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
وزنجبار في اللغة كلمة عربية محرّفة عن كلمة « بُرج الزنج »، وتُجمِع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب ـ وتحديداً العُمانيين ـ قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، فقد امتدّ نشاط العرب التجاري إلى ساحل إفريقيا الشرقي حتّى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة. وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطّات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند.
ويدلّل المؤرّخون على ذلك بأن عُمان عندما استعصت على بني أمية، فوّض عبدُالملك بن مروان الحَجّاجَ بن يوسف الثقفي في بسط نفوذ بني أمية على عُمان. وبعد جولات طويلة أرسل الحجاج جيشاً عرمرماً فآثر سلطانا عمان سليمان وسعيد ابنا عبد الجلندي أن ينقذا أهلهما وجيشهما، فأخذا أهلهما ومن تبعهما من قومهما إلى أرض الزنج ( زنجبار ).
ويقول المؤرخ الدكتور عبدالمنعم عامر إنه: « يستحيل منطقاً أن يخرج سلطانا عمان من بلدهما إلى بلد لا يعرفان به، ولكن المنطقي أنهما ينتقلان إلى أرض بها وجود عماني كثيف يأمنان فيها على حياتهما ودينهما. وإذا كانت هذه الواقعة في القرن السابع الميلادي فمعنى ذلك أن هناك تاريخاً يمتد إلى زمن لا يقل عن ثلاثمائة عام، وقد يبلغ خمسمائة عام إذا استندنا إلى الآثار الموجودة ».
وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، وكانت ممالك شرق أفريقيا كثيرة الثراء والازدهار. ويقدر « وندل فيليب » استناداً إلى وثائق أوربية أن إنتاج الذهب الذي كان يقدّمه ساحل شرق أفريقيا قارَبَ نصف مليون جنيه استرليني سنوياً في وقت ما من زمن الوجود العماني، بالإضافة إلى عائدات بيع المحصولات الرئيسية كجوز الطِّيب وجوز الهند والقُرنفُل والقَصَب، وبجانب هذين المصدرين المهمين كانت هناك تجارة الرقيق.
ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعَينِ سلطان عُمان لذي كان يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية.
وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى جزيرة زنجبار، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان. وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم، وإلى السلطان سعيد يعود الفضل لأنه أول من زرع شجر القُرنفُل في الجزيرة على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، فمُهِّدت الطرق، وأُقيمت القصور والمنازل والدور والمساجد، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي والإفريقي والعمانيين، فالكل يذهب إلى عاصمة المملكة ومقرّ السلطان ولؤلؤة الممالك، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه، وهذا ما كان.
وزنجبار في اللغة كلمة عربية محرّفة عن كلمة « بُرج الزنج »، وتُجمِع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب ـ وتحديداً العُمانيين ـ قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، فقد امتدّ نشاط العرب التجاري إلى ساحل إفريقيا الشرقي حتّى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة. وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطّات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند.
ويدلّل المؤرّخون على ذلك بأن عُمان عندما استعصت على بني أمية، فوّض عبدُالملك بن مروان الحَجّاجَ بن يوسف الثقفي في بسط نفوذ بني أمية على عُمان. وبعد جولات طويلة أرسل الحجاج جيشاً عرمرماً فآثر سلطانا عمان سليمان وسعيد ابنا عبد الجلندي أن ينقذا أهلهما وجيشهما، فأخذا أهلهما ومن تبعهما من قومهما إلى أرض الزنج ( زنجبار ).
ويقول المؤرخ الدكتور عبدالمنعم عامر إنه: « يستحيل منطقاً أن يخرج سلطانا عمان من بلدهما إلى بلد لا يعرفان به، ولكن المنطقي أنهما ينتقلان إلى أرض بها وجود عماني كثيف يأمنان فيها على حياتهما ودينهما. وإذا كانت هذه الواقعة في القرن السابع الميلادي فمعنى ذلك أن هناك تاريخاً يمتد إلى زمن لا يقل عن ثلاثمائة عام، وقد يبلغ خمسمائة عام إذا استندنا إلى الآثار الموجودة ».
وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، وكانت ممالك شرق أفريقيا كثيرة الثراء والازدهار. ويقدر « وندل فيليب » استناداً إلى وثائق أوربية أن إنتاج الذهب الذي كان يقدّمه ساحل شرق أفريقيا قارَبَ نصف مليون جنيه استرليني سنوياً في وقت ما من زمن الوجود العماني، بالإضافة إلى عائدات بيع المحصولات الرئيسية كجوز الطِّيب وجوز الهند والقُرنفُل والقَصَب، وبجانب هذين المصدرين المهمين كانت هناك تجارة الرقيق.
ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعَينِ سلطان عُمان لذي كان يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية.
وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى جزيرة زنجبار، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان. وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم، وإلى السلطان سعيد يعود الفضل لأنه أول من زرع شجر القُرنفُل في الجزيرة على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، فمُهِّدت الطرق، وأُقيمت القصور والمنازل والدور والمساجد، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي والإفريقي والعمانيين، فالكل يذهب إلى عاصمة المملكة ومقرّ السلطان ولؤلؤة الممالك، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه، وهذا ما كان.
اللغة
لغة الناس السائدة هي اللغة السواحلية، وهي مزيج من لغات افريقيّة قديمة واللغة العربية. ويقدّر بعض علماء اللغة أن 70 0/0 من اللغة السواحلية من أصل عربي.
والألفاظ العربية التي نفهمها من اللغة كثيرة، مثل حكومة ووزارة، « وسانتي سانيا »، وهي نُطق مُحرَّف لجملة « أحسنتَ صَنيعاً »، وهكذا. وعلى الرغم من ذلك فما زالت اللغة العربية موجودة والناس تتحدّث بها، وهم ينطقونها بالفصحى، ولكنهم لطول عهدهم بها يبذلون جهداً ومشقة في الحديث.
وتنتشر القرى الصغيرة، وهي تجمّعات سكّانية، حول مزارع مكثّفة على طول الجزيرة، والتجمع المدني الرئيسي في قلب الجزيرة على المحيط هو بمثابة ما نسمّيه ـ نحن ـ بالعاصمة، ونشاط السكان الرئيسي هو الزراعة والصيد، وفي قلب العاصمة يتركّز النشاط التجاري.
لغة الناس السائدة هي اللغة السواحلية، وهي مزيج من لغات افريقيّة قديمة واللغة العربية. ويقدّر بعض علماء اللغة أن 70 0/0 من اللغة السواحلية من أصل عربي.
والألفاظ العربية التي نفهمها من اللغة كثيرة، مثل حكومة ووزارة، « وسانتي سانيا »، وهي نُطق مُحرَّف لجملة « أحسنتَ صَنيعاً »، وهكذا. وعلى الرغم من ذلك فما زالت اللغة العربية موجودة والناس تتحدّث بها، وهم ينطقونها بالفصحى، ولكنهم لطول عهدهم بها يبذلون جهداً ومشقة في الحديث.
وتنتشر القرى الصغيرة، وهي تجمّعات سكّانية، حول مزارع مكثّفة على طول الجزيرة، والتجمع المدني الرئيسي في قلب الجزيرة على المحيط هو بمثابة ما نسمّيه ـ نحن ـ بالعاصمة، ونشاط السكان الرئيسي هو الزراعة والصيد، وفي قلب العاصمة يتركّز النشاط التجاري.
كيف ضاعت ؟
حتّى صباح يوم السبت 11 كانون الثاني عام 1964، كانت زنجبار جزيرة عربية مستقلة، يحكمها السلطان جمشيد بن عبدالله بوسعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان. وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلفّ الجزيرة، ومرّت الساعات الأولى من الليل رطبةً شتائية، وبعد منتصف الليل شقّ هدوءَ الجزيرة صوتُ رصاص، ولم يستمر كثيراً، وقد ظنّ الذين لم يكونوا قد استسلموا للنوم أن جندياً طائشاً أطلق بعض طلقات من بندقيته. وكلما مضى من الليل وقت ازداد الجو رطوبة وبرودة وثقلاً، وما هي إلاّ ساعة بعد انتصاف الليل حتّى اجتاحت الأحياء والدور فرق من الجنود، فنهبوا البيوت، وشرعوا في قتل السكان واستباحوا النساء، وسقط ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً. وما أن أصبح الصباح، صباح يوم الأحد 12 كانون الثاني 1964، إلاّ وزنجبار، برج الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية!
فقد كانت طلقات الرصاص عملية اجتياح لمراكز الشرطة والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الإفريقية، وعملية حصار لمقر الحكم. انقلاب دموي كامل تمّ معظمه بالسلاح الأبيض في أكثر الانقلابات وحشيّة في القرن العشرين!
ولا تكفي وقائع الانقلاب لِتُقدّم لنا إجابة عن أسباب ضياع زنجبار، والتساؤل عن الأسباب سوف يدفعنا إلى الإبحار قليلاً في بحار السياسة والتاريخ.
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. يذكر لنا التاريخ المكتوب أن هناك صراعاً بريطانياً ألمانياً دار حول زنجبار وانتهى بتوقيع اتفاقية تحديد مناطق نفوذ، وأن هناك صراعاً إيطالياً فرنسياً بريطانياً أمريكياً، إلاّ أن أمريكا كانت أسبق الجميع حين وقّعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وفي عام 1839 وقّعت بريطانيا معاهد مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، وتعهّد السلطان بتحريم هذه التجارة في كل ممتلكاته، وتعيين وكيل بريطاني لممتلكات السلطان للالتزام بالتحريم، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أيّ سفن تمارس هذه التجارة. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية بدأت الأصابع البريطانية تتدخل في المنطقة لضمان سيطرتها عليها، خاصة أن البريطانيين لم يكونوا في ذلك الوقت يملكون إلاّ طريق الحيلة، فثراء السلطان سعيد كان بلا حدود، وفي قصره كان يعيش ألف شخص للخدمة، ودَخلُه من تجارة العبيد وحدها كان قرابة 80 ألف جنيه استرليني في العام بأسعار ذلك الزمان.
ومن حيث القوة العسكرية كان السلطان سعيد يملك أسطولاً بحرياً قوياً، يتكون من خمسٍ وسبعين سفينة، في كل سفينة 56 مدفعاً. وكما يقول وندل فيليب في كتابه ( تاريخ عمان ) عندما يتحدث عن تلك الفترة من خلال الوثائق البريطانية، أن السلطان سعيد كان يستطيع أن يحقق لنفسه التفوق البحري في المحيط، فهو صاحب أقوى أسطول موجود في المنطقة الواقعة بين رأس الرجاء الصالح حتّى اليابان. والثابت تاريخياً أيضاً أنه أهدى فرقاطة بحرية مسلحة إلى ملك بريطانيا، وفرقاطة أخرى إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
حتّى صباح يوم السبت 11 كانون الثاني عام 1964، كانت زنجبار جزيرة عربية مستقلة، يحكمها السلطان جمشيد بن عبدالله بوسعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان. وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلفّ الجزيرة، ومرّت الساعات الأولى من الليل رطبةً شتائية، وبعد منتصف الليل شقّ هدوءَ الجزيرة صوتُ رصاص، ولم يستمر كثيراً، وقد ظنّ الذين لم يكونوا قد استسلموا للنوم أن جندياً طائشاً أطلق بعض طلقات من بندقيته. وكلما مضى من الليل وقت ازداد الجو رطوبة وبرودة وثقلاً، وما هي إلاّ ساعة بعد انتصاف الليل حتّى اجتاحت الأحياء والدور فرق من الجنود، فنهبوا البيوت، وشرعوا في قتل السكان واستباحوا النساء، وسقط ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً. وما أن أصبح الصباح، صباح يوم الأحد 12 كانون الثاني 1964، إلاّ وزنجبار، برج الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية!
فقد كانت طلقات الرصاص عملية اجتياح لمراكز الشرطة والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الإفريقية، وعملية حصار لمقر الحكم. انقلاب دموي كامل تمّ معظمه بالسلاح الأبيض في أكثر الانقلابات وحشيّة في القرن العشرين!
ولا تكفي وقائع الانقلاب لِتُقدّم لنا إجابة عن أسباب ضياع زنجبار، والتساؤل عن الأسباب سوف يدفعنا إلى الإبحار قليلاً في بحار السياسة والتاريخ.
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. يذكر لنا التاريخ المكتوب أن هناك صراعاً بريطانياً ألمانياً دار حول زنجبار وانتهى بتوقيع اتفاقية تحديد مناطق نفوذ، وأن هناك صراعاً إيطالياً فرنسياً بريطانياً أمريكياً، إلاّ أن أمريكا كانت أسبق الجميع حين وقّعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وفي عام 1839 وقّعت بريطانيا معاهد مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، وتعهّد السلطان بتحريم هذه التجارة في كل ممتلكاته، وتعيين وكيل بريطاني لممتلكات السلطان للالتزام بالتحريم، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أيّ سفن تمارس هذه التجارة. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية بدأت الأصابع البريطانية تتدخل في المنطقة لضمان سيطرتها عليها، خاصة أن البريطانيين لم يكونوا في ذلك الوقت يملكون إلاّ طريق الحيلة، فثراء السلطان سعيد كان بلا حدود، وفي قصره كان يعيش ألف شخص للخدمة، ودَخلُه من تجارة العبيد وحدها كان قرابة 80 ألف جنيه استرليني في العام بأسعار ذلك الزمان.
ومن حيث القوة العسكرية كان السلطان سعيد يملك أسطولاً بحرياً قوياً، يتكون من خمسٍ وسبعين سفينة، في كل سفينة 56 مدفعاً. وكما يقول وندل فيليب في كتابه ( تاريخ عمان ) عندما يتحدث عن تلك الفترة من خلال الوثائق البريطانية، أن السلطان سعيد كان يستطيع أن يحقق لنفسه التفوق البحري في المحيط، فهو صاحب أقوى أسطول موجود في المنطقة الواقعة بين رأس الرجاء الصالح حتّى اليابان. والثابت تاريخياً أيضاً أنه أهدى فرقاطة بحرية مسلحة إلى ملك بريطانيا، وفرقاطة أخرى إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
صراع الإخوة
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19 تشرين الأول 1856، ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية دامية. وكالعادة استعان أحد الأخوين بالبريطانيين، فشكّل البريطانيون لجنة تحكيم يرأسها اللورد « كانتج » المندوب السامي في الهند، فقسّم الامبراطورية إلى جزءَين أساسيين، هما عُمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار جعلها من نصيب السلطان ماجد، ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عُمان.
وداخل زنجبار ثارَ خلافٌ وشقاق؛ فقد حاول شقيق ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركه فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان السلطان ماجد بالبريطانيين، فتولّوا حمايته بالقوة المسلحة. وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات. وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة، حتّى جاء مؤتمر بروكسل، وفيه قُسّمت افريقيا بين القوى المتصارعة، وكان من ضمن ما قُسّم زنجبار. وفي تشرين الثاني 1886م قسّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يَدُم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، وفرض البريطانيون سلطتهم على الجزيرة، حتّى أنهم عزلوا حاكماً من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات التبشيرية، وشجّعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الإفريقي إلى الجزيرة، وتدريجياً بدأ البريطانيون في تكوين قوى سياسية وطنية لهم داخل الجزيرة، وفي نفس الوقت عملوا على إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة والتمييز بين ما هو عربي وما هو افريقي، وصبر البريطانيون طويلاً وزرعوا كثيراً، وكان لابد أن يُثمِر الزرع الذي زرعوه.
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19 تشرين الأول 1856، ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية دامية. وكالعادة استعان أحد الأخوين بالبريطانيين، فشكّل البريطانيون لجنة تحكيم يرأسها اللورد « كانتج » المندوب السامي في الهند، فقسّم الامبراطورية إلى جزءَين أساسيين، هما عُمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار جعلها من نصيب السلطان ماجد، ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عُمان.
وداخل زنجبار ثارَ خلافٌ وشقاق؛ فقد حاول شقيق ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركه فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان السلطان ماجد بالبريطانيين، فتولّوا حمايته بالقوة المسلحة. وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات. وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة، حتّى جاء مؤتمر بروكسل، وفيه قُسّمت افريقيا بين القوى المتصارعة، وكان من ضمن ما قُسّم زنجبار. وفي تشرين الثاني 1886م قسّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يَدُم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، وفرض البريطانيون سلطتهم على الجزيرة، حتّى أنهم عزلوا حاكماً من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات التبشيرية، وشجّعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الإفريقي إلى الجزيرة، وتدريجياً بدأ البريطانيون في تكوين قوى سياسية وطنية لهم داخل الجزيرة، وفي نفس الوقت عملوا على إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة والتمييز بين ما هو عربي وما هو افريقي، وصبر البريطانيون طويلاً وزرعوا كثيراً، وكان لابد أن يُثمِر الزرع الذي زرعوه.
الأميرة العاشقة
أسهمت زنجبار بوضعها هذا وتاريخها في إثراء الكتابات عن افريقيا بعامة، وعن أحوال زنجبار وتاريخها بخاصّة. وأطرف ما كتب عن هذه الفترة مذكّرات الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان التي عاونت أخاها برغش عندما تمرّد على السلطان ماجد وحاول اغتياله في الحرب التي نشبت بينها وتدخل فيها الإنجليز لصالح ماجد، وحكموا على برغش بالنفي إلى الهند، ففي أثناء نفي برغش تصالحت الأميرة سالمة مع أخيها، ولمّا عفا السلطان عن برغش وعاد إلى زنجبار لم يغفر لسالمة تصالحها مع أخيها السلطان، وظلّت حياتها في زنجبار قلقة، فقد كانت صغرى أبناء السلطان سعيد، وبالتالي فهي أصغر أخواتها. ويبدو أن وضعها هذا قد هيّأها للدخول في مغامرة، فأحبت رجلاً ألمانياً، وهربت معه إلى ألمانيا، وعاشت هناك، ومن البعد كتبت مذكّراتها تصف أيام المجد والقصور، والمربيات وركوب الخيل، والثروة، وعزّ المملكة الذي كان.
أسهمت زنجبار بوضعها هذا وتاريخها في إثراء الكتابات عن افريقيا بعامة، وعن أحوال زنجبار وتاريخها بخاصّة. وأطرف ما كتب عن هذه الفترة مذكّرات الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان التي عاونت أخاها برغش عندما تمرّد على السلطان ماجد وحاول اغتياله في الحرب التي نشبت بينها وتدخل فيها الإنجليز لصالح ماجد، وحكموا على برغش بالنفي إلى الهند، ففي أثناء نفي برغش تصالحت الأميرة سالمة مع أخيها، ولمّا عفا السلطان عن برغش وعاد إلى زنجبار لم يغفر لسالمة تصالحها مع أخيها السلطان، وظلّت حياتها في زنجبار قلقة، فقد كانت صغرى أبناء السلطان سعيد، وبالتالي فهي أصغر أخواتها. ويبدو أن وضعها هذا قد هيّأها للدخول في مغامرة، فأحبت رجلاً ألمانياً، وهربت معه إلى ألمانيا، وعاشت هناك، ومن البعد كتبت مذكّراتها تصف أيام المجد والقصور، والمربيات وركوب الخيل، والثروة، وعزّ المملكة الذي كان.
وضعها الحالي
تقع زنجبار الآن سياسياً ضمن تنزانيا، وقد ظهرت تنزانيا ككيان سياسي عقب استقلال تنجانيقا في 9 كانون الأول 1961م وخروجها من تحت الوصاية البريطانية، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في كانون الأول 1963. وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيّأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي الذي خُلع به سلطان زنجبار وفرّ إلى الخارج. وفي 26 نيسان 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أُعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا، واختيرت دار السلام عاصمة لها. ونصّ اتفاق الوحدة ثم الدستور على أن يتولى الرئاسة جوليوس نيريري، وأن يليه في الرئاسة حاكم زنجبار. وتشكّلت حكومة محلّية لزنجبار وفوّضت في بعض الصلاحيات المحلية التي من خلالها حاولت الإدارة في زنجبار أن تحتفظ لنفسها بهوية مستقلة نسبياً إلاّ أن التاريخ لا ينسى، وقد ظلت الوظائف الإدارية العليا والإشرافية وبخاصة في الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية، ولكن هذا الاتجاه بدأ يقل تدريجياً بعد ضعف النعرات العرقية واستقرار الأحوال بالدولة الجديدة.
وقد انعكست آثار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تنزانيا كلها على زنجبار، حيث انخفض مستوى المعيشة وأصبح الفقر لا تُخطئه عين، والغلاء يزداد كل يوم، وسعر العملة ينخفض في كل عام عن العام الذي قبله. وعلامات الأزمة الاقتصادية في تنزانيا كثيرة، فوِفْق أرقام البنك الدولي يبلغ إجمالي الدَّين الخارجي حتّى نهاية 1986 قرابة 3609 ملايين دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج القومي 290 دولاراً سنوياً، ويبلغ معدل التضخم سنوياً 6, 19 0/0.
تقع زنجبار الآن سياسياً ضمن تنزانيا، وقد ظهرت تنزانيا ككيان سياسي عقب استقلال تنجانيقا في 9 كانون الأول 1961م وخروجها من تحت الوصاية البريطانية، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في كانون الأول 1963. وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيّأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي الذي خُلع به سلطان زنجبار وفرّ إلى الخارج. وفي 26 نيسان 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أُعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا، واختيرت دار السلام عاصمة لها. ونصّ اتفاق الوحدة ثم الدستور على أن يتولى الرئاسة جوليوس نيريري، وأن يليه في الرئاسة حاكم زنجبار. وتشكّلت حكومة محلّية لزنجبار وفوّضت في بعض الصلاحيات المحلية التي من خلالها حاولت الإدارة في زنجبار أن تحتفظ لنفسها بهوية مستقلة نسبياً إلاّ أن التاريخ لا ينسى، وقد ظلت الوظائف الإدارية العليا والإشرافية وبخاصة في الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية، ولكن هذا الاتجاه بدأ يقل تدريجياً بعد ضعف النعرات العرقية واستقرار الأحوال بالدولة الجديدة.
وقد انعكست آثار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تنزانيا كلها على زنجبار، حيث انخفض مستوى المعيشة وأصبح الفقر لا تُخطئه عين، والغلاء يزداد كل يوم، وسعر العملة ينخفض في كل عام عن العام الذي قبله. وعلامات الأزمة الاقتصادية في تنزانيا كثيرة، فوِفْق أرقام البنك الدولي يبلغ إجمالي الدَّين الخارجي حتّى نهاية 1986 قرابة 3609 ملايين دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج القومي 290 دولاراً سنوياً، ويبلغ معدل التضخم سنوياً 6, 19 0/0.
زنجبار
(2)
(2)
تقع على سواحل افريقيا الشرقية في المحيط الهندي على بعد عشرين ميلاً عن الساحل الإفريقي، وتحتوي على جزيرتَي: زنجبار وبمبا.
ولمّا قامت حركة الكشوف الجغرافية وبدأ البرتغاليون يقطعون البحار الشرقية خضعت لهم زنجبار مع غيرها من السواحل. ولم يَدُم ذلك طويلاً؛ فقد قامت حملة عربية بقيادة السلطان سعيد بن سلطان البو سعيدي حاكم عمان، واستطاع أن يطرد البرتغاليين ويمدّ ملكه في افريقيا ويشمل مقاديشو وساحل كينيا وساحل تنكانيكا وزنجبار، وفي هذه الأخيرة اتّخذ مقره.
ولمّا قامت الحرب العالمية الأولى كانت ألمانيا في دار السلام وإيطاليا في مقاديشو وانكلترا في كينيا وأوغندا. وكان الإنكليز قد عقدوا عام 1890 معاهدة مع سلطان زنجبار دخلت فيه زنجبار تحت الحماية البريطانيّة، واستمرّ ذلك 73 عاماً. وفي 11 ديسمبر سنة 1963 عقدت انكلترا مع زنجبار اتفاقية جديدة نالت فيها زنجبار استقلالها.
وفي كانون الثاني سنة 1964 قام الانقلاب الجمهوري، وفر السلطان إلى لندن، ثم اتّحدت زنجبار مع تنكانيكا وشكّلا جمهورية تنزانيا.
وفي زنجبار الكثير من الخوارج الإباضيّة وكانت الأسرة الحاكمة منه، كما أن فيها عدداً غير قليل من الشيعة وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والبحرين والعراق وعمان، ولهم مسجدان كبيران وأربع حسينيات كبيرة وحوالي عشرين حسينية صغيرة وعدة مدارس. وفيها دار ضيافة ينزل فيها غرباء الشيعة مجاناً أنشأها الحاج رحمة الله تيجاني. ولهم مستوصف لمعاينة المرضى مجاناً أنشأه ناصر نور محمد، ودار توليد مجانية أنشأها داتو حماني، ولهم أوقاف كثيرة.
ويعود تاريخ إقامة المآتم الحسينيّة فيها إلى عام 1850 في عهد السلطان برغش، حيث كان عنده قائد عسكري إيراني أدى له ولبلاده الكثيرَ من الخدمات، مما حمل السلطان على أن يبدأ بإقامة المآتم في زنجبار، وأقيم أول مأتم في قصر السلطان نفسه.
تحوّلات في زنجبار
وفي أواخر سنة 1993 كان الوضع في زنجبار كما يلي:
منذ زيارة رئيس حكومة زنجبار المحلية سالمين عامور إلى مسقط عام 1991، وتقديم اعتذار للسلطان قابوس عن أحداث عام 1964، وزنجبار تشهد حركة ترميم واسعة للآثار العُمانية من فترة حكم سلاطين عمان لها من 1870 إلى 1964، وهي « قصر السلطان العُماني » و « قصر حريم السلطان » و « المتحف الوطني » الذي يضم متعلقات هذه الفترة في ما يوصف بأنه محاولة لإزالة آثار ثورة كانون الثاني ( يناير ) 1964 وإعادة النظر في العلاقات مع السلطنة.
وكانت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي قضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين « جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.
ولا تعبّر إزالة آثار الثورة عن محاولة عاطفيّة تمتزج بالشعور بالذنب فقط، إنما تأتي في إطار أزمة هوية يكتنفها البحث عن روابط بديلة لتحقيق المصالح بعد ضعف اتحاد زنجبار وتنجانيقا ( تنزانيا ) اقتصادياً وبنيوياً؛ فالشعب الزنجباري يعاني من تراجع معدلات التنمية وانخفاض مستوى الدخل السنوي، كما أن الوحدة تواجهها مخاطر الانفصال بسبب الرغبة في العودة إلى الأصول العربية والإسلامية.
ولا تنفرد الحكومة المحلية في زنجبار ( ذات الحكم الذاتي ) بهذه الرغبة والمحاولات؛ فعلى رغم أن سالمين عامور رئيس الحكومة كان أول من عبّر عنها وبادر بزيارة مسقط والتقى السلطان قابوس وقدم اعتذاراً وعاد ليقول للشعب إنهما اتفقا على نسيان الماضي، فإن المعارضة هي الأقوى والأكثر فاعلية في الشارع الزنجباري؛ إذ إن ( حزب جبهة الاتّحاد المدني ) هو الوحيد في تنزانيا يتخذ زنجبار مقرّاً ويشكّل ذوو الأصول العربية 90 في المئة من قياداته وأعضائه. كما أنه الأكثر تعبيراً عن الانتماء الإسلامي والعربي لزنجبار، علاوة على أنه الأكثر شعبية. كذلك فإن مسلمَينِ من أصل عربي هما سيف شريف حمادي رئيس الوزراء السابق وشعبان ميلو يتوليان منصب نائب الرئيس وأمانته العامة.
وتكاد هذه القضية أن تكون الوحيدة التي يتّفق فيها رأي الحكومة والحزب الثوري الحاكم مع المعارضة. وهذا التوجه لا يتفاعل معه سوى سلطنة عمان التي بادرت عقب زيارة عامور إلى تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة، وأنشأت مطاراً دولياً ومدرسة تمريض، وقدمت مساعدات طبية للمستشفى الحكومي، كما افتتحت قنصلية عامة لرعاية شؤون العلاقات والمصالح في أول استئنافٍ للعلاقات منذ أحداث 1964. كذلك فإن دبي سيّرت خط طيران مباشر إلى الجزيرة لنقل البضائع والمساعدات.
ومن البديهي أن تَلقى محاولات الحكومة المحلية تغيير الانطباعات والأفكار السيئة عن فترة الحكم العُماني والتي عملت الحكومة المركزية في دار السلام على ترسيخها منذ 1964 صعوبات في هذا السبيل. غير أن وصول المساعدات، والمشاكل التي يواجهها الاتحاد مع تنجانيقا، إضافة إلى أزمة الهوية التي يعيشها الشعب، وآثار فترة حكم الحزب الثوري في تنزانيا.. جعلت مهمة التحول سهلة؛ فقبل عمليات الترميم سبقت حكومة زنجبار الحكومة المركزية في تحرير التجارة للسماح بعودة العرب الذين غادروها تحت غطاء التجارة والاستثمار.
ولا يزال ذوو الأصول الإفريقية والهندية يجدون من مخلّفات الحكم العُماني ما يستخدمونه في ضرب هذا التوجه، خصوصاً سجن العبيد، أحد الآثار التي لم يَطُلها الترميم الذي يروّج أن السلطان العُماني كان يأسر فيه الزنوج لبيعهم عبيداً للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين في شرق افريقيا.
إلاّ أن الدعاية المضادة هذه لا تؤثّر حتّى الآن في استمرار هذا التوجه، حتّى أنّ التذكير بزيارة أنور السادات لزنجبار مُوفَداً من جمال عبدالناصر في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 لعرض تقديم مساعدات للسلطان العُماني، وقبل بدء أحداث كانون الثاني ( يناير ) 1964، بعد تسليم البريطانيين السلطة للسلطان، لا يجد صدى واسعاً داخل الأوساط المثقفة والمسيّسة في زنجبار، فأزمة الهوية هنا أقوى من دعايات مضادة.
وفي أواخر سنة 1993 كان الوضع في زنجبار كما يلي:
منذ زيارة رئيس حكومة زنجبار المحلية سالمين عامور إلى مسقط عام 1991، وتقديم اعتذار للسلطان قابوس عن أحداث عام 1964، وزنجبار تشهد حركة ترميم واسعة للآثار العُمانية من فترة حكم سلاطين عمان لها من 1870 إلى 1964، وهي « قصر السلطان العُماني » و « قصر حريم السلطان » و « المتحف الوطني » الذي يضم متعلقات هذه الفترة في ما يوصف بأنه محاولة لإزالة آثار ثورة كانون الثاني ( يناير ) 1964 وإعادة النظر في العلاقات مع السلطنة.
وكانت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي قضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين « جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.
ولا تعبّر إزالة آثار الثورة عن محاولة عاطفيّة تمتزج بالشعور بالذنب فقط، إنما تأتي في إطار أزمة هوية يكتنفها البحث عن روابط بديلة لتحقيق المصالح بعد ضعف اتحاد زنجبار وتنجانيقا ( تنزانيا ) اقتصادياً وبنيوياً؛ فالشعب الزنجباري يعاني من تراجع معدلات التنمية وانخفاض مستوى الدخل السنوي، كما أن الوحدة تواجهها مخاطر الانفصال بسبب الرغبة في العودة إلى الأصول العربية والإسلامية.
ولا تنفرد الحكومة المحلية في زنجبار ( ذات الحكم الذاتي ) بهذه الرغبة والمحاولات؛ فعلى رغم أن سالمين عامور رئيس الحكومة كان أول من عبّر عنها وبادر بزيارة مسقط والتقى السلطان قابوس وقدم اعتذاراً وعاد ليقول للشعب إنهما اتفقا على نسيان الماضي، فإن المعارضة هي الأقوى والأكثر فاعلية في الشارع الزنجباري؛ إذ إن ( حزب جبهة الاتّحاد المدني ) هو الوحيد في تنزانيا يتخذ زنجبار مقرّاً ويشكّل ذوو الأصول العربية 90 في المئة من قياداته وأعضائه. كما أنه الأكثر تعبيراً عن الانتماء الإسلامي والعربي لزنجبار، علاوة على أنه الأكثر شعبية. كذلك فإن مسلمَينِ من أصل عربي هما سيف شريف حمادي رئيس الوزراء السابق وشعبان ميلو يتوليان منصب نائب الرئيس وأمانته العامة.
وتكاد هذه القضية أن تكون الوحيدة التي يتّفق فيها رأي الحكومة والحزب الثوري الحاكم مع المعارضة. وهذا التوجه لا يتفاعل معه سوى سلطنة عمان التي بادرت عقب زيارة عامور إلى تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة، وأنشأت مطاراً دولياً ومدرسة تمريض، وقدمت مساعدات طبية للمستشفى الحكومي، كما افتتحت قنصلية عامة لرعاية شؤون العلاقات والمصالح في أول استئنافٍ للعلاقات منذ أحداث 1964. كذلك فإن دبي سيّرت خط طيران مباشر إلى الجزيرة لنقل البضائع والمساعدات.
ومن البديهي أن تَلقى محاولات الحكومة المحلية تغيير الانطباعات والأفكار السيئة عن فترة الحكم العُماني والتي عملت الحكومة المركزية في دار السلام على ترسيخها منذ 1964 صعوبات في هذا السبيل. غير أن وصول المساعدات، والمشاكل التي يواجهها الاتحاد مع تنجانيقا، إضافة إلى أزمة الهوية التي يعيشها الشعب، وآثار فترة حكم الحزب الثوري في تنزانيا.. جعلت مهمة التحول سهلة؛ فقبل عمليات الترميم سبقت حكومة زنجبار الحكومة المركزية في تحرير التجارة للسماح بعودة العرب الذين غادروها تحت غطاء التجارة والاستثمار.
ولا يزال ذوو الأصول الإفريقية والهندية يجدون من مخلّفات الحكم العُماني ما يستخدمونه في ضرب هذا التوجه، خصوصاً سجن العبيد، أحد الآثار التي لم يَطُلها الترميم الذي يروّج أن السلطان العُماني كان يأسر فيه الزنوج لبيعهم عبيداً للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين في شرق افريقيا.
إلاّ أن الدعاية المضادة هذه لا تؤثّر حتّى الآن في استمرار هذا التوجه، حتّى أنّ التذكير بزيارة أنور السادات لزنجبار مُوفَداً من جمال عبدالناصر في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 لعرض تقديم مساعدات للسلطان العُماني، وقبل بدء أحداث كانون الثاني ( يناير ) 1964، بعد تسليم البريطانيين السلطة للسلطان، لا يجد صدى واسعاً داخل الأوساط المثقفة والمسيّسة في زنجبار، فأزمة الهوية هنا أقوى من دعايات مضادة.
من حال إلى حال
هل تملك جزيرتا زنجبار ( انجوجا وممبا ) ـ 1020 كيلومتراً مربعاً ومليون نسمة ـ مقومات الاستقلال إذا ما انفصلت عن تنجانيقا ؟
هذا هو السؤال المطروح حالياً على الساحة السياسية في زنجبار في ضوء التطورات الأخيرة وملامح أزمة « الهوية » التي تعمّقت بعد فشل محاولة حكومة زنجبار الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأدت إلى نكسة لمشاعر الرأي العام.
فمع ضعف الاتحاد وتدهور اقتصاد الدولة، بدأت تظهر نزعة استقلالية جادة، أبرز ملامحها إظهار الوجه الإسلامي لزنجبار، وظهور جماعات دينية وتوجّه نحو إعادة الروابط مع الدول العربية عموماً وسلطنة عمان خصوصاً، واستكشاف سبل بناء اقتصاد وطني مستقل حرصت زنجبار على التمتع به عند إنشاء دولة الاتحاد عام 1964.
نجحت زنجبار في تحقيق قدر من الاستقلالية في إدارة علاقاتها الخارجية، وأنشأت علاقات قنصلية مع مصر وعُمان وموزامبيق والهند والصين وروسيا ( أغلقها الرئيس الروسي بوريس يلتسن عام 1991 ). وتتبع قنصلياتها سفاراتها في دار السلام ما عدا عُمان التي ليست لها سفارة في تنزانيا. كما نجحت في عقد اتفاقيات ثنائية مع هذه الدول حصلت بمقتضاها من مسقط على مساعدات اقتصادية، ومن مصر على خبراء في الزراعة والتصنيع وأطباء، ومن الصين على الإذاعة المحلية ومساكن للفقراء.
واحتفظت زنجبار ببعض مظاهر السيادة، مثل نظام تأشيرات الدخول والجمارك للأجانب ولأبناء تنجانيقا. ولا تملك الدولة الاتحادية ( تنزانيا أو تنجانيقا ) محطة تلفزيونية. وهناك محطة إرسال تذيع برامج مُهداة من تلفزيون كينيا وأوغندا وتمثليات إرشادية وخطب مسجلة للرئيس تذاع بعد إلقائها. وعلى رغم أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلاّ أن ما يثير الحساسية لدى الشعب هو نجاح تنجانيقا في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون المرور على الحكومة الاتحادية في دار السلام أو الحصول على موافقتها.
فشعب زنجبار خليط من العرب والإيرانيين ( 20 في المئة من عدد السكان ) والهنود ( 10 في المئة )، والأفارقة ( 50 في المئة ) معظمهم من قبائل البانتو التي تعيش في شرق افريقيا، و 97 في المئة من السكان مسلمون على رغم اختلاف أصولهم العرقية. وأصبح من الصعوبة تحديد الأصول العربية أو الإيرانية للسكان بسبب الزواج المختلط.
وبينما يركّز ذوو الأصول العربية نشاطاتهم على التجارة اهتمّ الإيرانيون بالسياسة، واندمجوا مع العرب في علاقات مصاهرة.
وتحاول زنجبار تعويض فشلها في التركيز على وجهها الإسلامي وفتح علاقات مباشرة مع الدول العربية، خصوصاً سلطنة عُمان، وهو اتجاه يكتسب اهتماماً الآن على رغم أنّه بدأ منذ سنوات حينما حاولت حكومة زنجبار المحلية برئاسة إدريس عبدالوكيل عام 1986 طَرْقَ أبواب السلطنة وإعادة وصل ما انقطع من خيوط. ولم تنجح هذه المحاولات المستمرة إلاّ عام 1991 حين هبط الرئيس الحالي سالمين عامور في مطار مسقط، وحصل على مساعدات اقتصادية لبناء مطار ومستشفى ومدرسة للتمريض وفتح قنصلية عُمانية في زنجبار لمباشرة العلاقات.
وتمتد علاقات زنجبار مع السلطنة خصوصاً والعرب عموماً إلى حركة الكشوف الجغرافية عندما استعمرها البرتغاليون في القرن السادس عشر، واستنجد السكان ذوو الأصل العربي والديانة الإسلامية بسلطان عُمان بعد انتصاره على البرتغاليين في هرمز، فوصلت قواته إلى زنجبار عام 1650 وأصبحت إحدى ولايات السلطنة، إلى أن أعلنت بريطانيا الحماية في العام 1870.
وعرف شعب زنجبار تحت الحماية البريطانية التعددية الحزبية، برز خلالها حزب ASP الذي شكّل الحكومة الائتلافية الأولى في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 فور إنهاء الحماية وإعلان الاستقلال بقيادة رئيس الحزب الإفريقي كرومي.
وشهدت زنجبار في أيام معدودة بعد الاستقلال قلاقل واضطرابات مفاجئة قادها كرومي ضد الوجود العربي في الجزيرتين.
وسرعان ما تحوّلت الاضطرابات إلى أحداث دمويّة في 12 كانون الثاني ( يناير ) 1964، حين فتح « جون أكيلو » الأوغندي مخازن السلاح التابعة للسجون ومعسكرات الجيش البريطاني السابقة أمام الثوار الأفارقة التابعين لكرومي فأعملوا التقتيل في العرب ونهبوا ممتلكاتهم ما أدى إلى فرارهم إلى ممباسا.
وفور استقرار السلطة في يد كرومي ـ الذي أصبح أول رئيس لزنجبار ـ اتفق مع رئيس تنجانيقا جوليوس نيريري على إنشاء دولة اتحادية، وأقدم أحد أبناء ضحايا الثورة على قتل كرومي في عام 1972، وانتهج خلفه عبده جومبي السياسة نفسها ضد بقايا العرب، بل دمج حزبه الحاكم APS وحزب المعارضة في زنجبار TANU في الحزب الثوري الحاكم في تنجانيقا CCm عام 1977.
وعلى المنوال نفسه سار أسلاف غومبي ـ بعد استقالته 1978 ـ من حسن معيني ( 78م ـ 1985 )، وانتهاءً بسالمين عامور الرئيس الحالي للحكومة المحلية.
وبعد استئناف العلاقات مع مسقط بدأت زنجبار تعيد النظر في الماضي تحت شعار « إزالة آثار الثورة »، وترجمت ذلك بقرارات تسمح للعمانيين والعرب الذين غادروها عام 1964 بالعودة، وتتيح ترميم آثار المرحلة السابقة بما فيها تلك التي استُغلّت خلال حكم كرومي في تشويه صورة العرب. وتواجه هذه السياسات الجديدة مشكلة التعاطي مع الشعارات التي رفعتها الثورة على مدى السنوات الماضية واتسمت بالكراهية وإثارة الأهالي ضد العرب « المسيطرين على الاقتصاد والتجارة »، « وباعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين » في إطار حملة منظّمة ومستمرة.
هل تملك جزيرتا زنجبار ( انجوجا وممبا ) ـ 1020 كيلومتراً مربعاً ومليون نسمة ـ مقومات الاستقلال إذا ما انفصلت عن تنجانيقا ؟
هذا هو السؤال المطروح حالياً على الساحة السياسية في زنجبار في ضوء التطورات الأخيرة وملامح أزمة « الهوية » التي تعمّقت بعد فشل محاولة حكومة زنجبار الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأدت إلى نكسة لمشاعر الرأي العام.
فمع ضعف الاتحاد وتدهور اقتصاد الدولة، بدأت تظهر نزعة استقلالية جادة، أبرز ملامحها إظهار الوجه الإسلامي لزنجبار، وظهور جماعات دينية وتوجّه نحو إعادة الروابط مع الدول العربية عموماً وسلطنة عمان خصوصاً، واستكشاف سبل بناء اقتصاد وطني مستقل حرصت زنجبار على التمتع به عند إنشاء دولة الاتحاد عام 1964.
نجحت زنجبار في تحقيق قدر من الاستقلالية في إدارة علاقاتها الخارجية، وأنشأت علاقات قنصلية مع مصر وعُمان وموزامبيق والهند والصين وروسيا ( أغلقها الرئيس الروسي بوريس يلتسن عام 1991 ). وتتبع قنصلياتها سفاراتها في دار السلام ما عدا عُمان التي ليست لها سفارة في تنزانيا. كما نجحت في عقد اتفاقيات ثنائية مع هذه الدول حصلت بمقتضاها من مسقط على مساعدات اقتصادية، ومن مصر على خبراء في الزراعة والتصنيع وأطباء، ومن الصين على الإذاعة المحلية ومساكن للفقراء.
واحتفظت زنجبار ببعض مظاهر السيادة، مثل نظام تأشيرات الدخول والجمارك للأجانب ولأبناء تنجانيقا. ولا تملك الدولة الاتحادية ( تنزانيا أو تنجانيقا ) محطة تلفزيونية. وهناك محطة إرسال تذيع برامج مُهداة من تلفزيون كينيا وأوغندا وتمثليات إرشادية وخطب مسجلة للرئيس تذاع بعد إلقائها. وعلى رغم أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلاّ أن ما يثير الحساسية لدى الشعب هو نجاح تنجانيقا في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون المرور على الحكومة الاتحادية في دار السلام أو الحصول على موافقتها.
فشعب زنجبار خليط من العرب والإيرانيين ( 20 في المئة من عدد السكان ) والهنود ( 10 في المئة )، والأفارقة ( 50 في المئة ) معظمهم من قبائل البانتو التي تعيش في شرق افريقيا، و 97 في المئة من السكان مسلمون على رغم اختلاف أصولهم العرقية. وأصبح من الصعوبة تحديد الأصول العربية أو الإيرانية للسكان بسبب الزواج المختلط.
وبينما يركّز ذوو الأصول العربية نشاطاتهم على التجارة اهتمّ الإيرانيون بالسياسة، واندمجوا مع العرب في علاقات مصاهرة.
وتحاول زنجبار تعويض فشلها في التركيز على وجهها الإسلامي وفتح علاقات مباشرة مع الدول العربية، خصوصاً سلطنة عُمان، وهو اتجاه يكتسب اهتماماً الآن على رغم أنّه بدأ منذ سنوات حينما حاولت حكومة زنجبار المحلية برئاسة إدريس عبدالوكيل عام 1986 طَرْقَ أبواب السلطنة وإعادة وصل ما انقطع من خيوط. ولم تنجح هذه المحاولات المستمرة إلاّ عام 1991 حين هبط الرئيس الحالي سالمين عامور في مطار مسقط، وحصل على مساعدات اقتصادية لبناء مطار ومستشفى ومدرسة للتمريض وفتح قنصلية عُمانية في زنجبار لمباشرة العلاقات.
وتمتد علاقات زنجبار مع السلطنة خصوصاً والعرب عموماً إلى حركة الكشوف الجغرافية عندما استعمرها البرتغاليون في القرن السادس عشر، واستنجد السكان ذوو الأصل العربي والديانة الإسلامية بسلطان عُمان بعد انتصاره على البرتغاليين في هرمز، فوصلت قواته إلى زنجبار عام 1650 وأصبحت إحدى ولايات السلطنة، إلى أن أعلنت بريطانيا الحماية في العام 1870.
وعرف شعب زنجبار تحت الحماية البريطانية التعددية الحزبية، برز خلالها حزب ASP الذي شكّل الحكومة الائتلافية الأولى في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 فور إنهاء الحماية وإعلان الاستقلال بقيادة رئيس الحزب الإفريقي كرومي.
وشهدت زنجبار في أيام معدودة بعد الاستقلال قلاقل واضطرابات مفاجئة قادها كرومي ضد الوجود العربي في الجزيرتين.
وسرعان ما تحوّلت الاضطرابات إلى أحداث دمويّة في 12 كانون الثاني ( يناير ) 1964، حين فتح « جون أكيلو » الأوغندي مخازن السلاح التابعة للسجون ومعسكرات الجيش البريطاني السابقة أمام الثوار الأفارقة التابعين لكرومي فأعملوا التقتيل في العرب ونهبوا ممتلكاتهم ما أدى إلى فرارهم إلى ممباسا.
وفور استقرار السلطة في يد كرومي ـ الذي أصبح أول رئيس لزنجبار ـ اتفق مع رئيس تنجانيقا جوليوس نيريري على إنشاء دولة اتحادية، وأقدم أحد أبناء ضحايا الثورة على قتل كرومي في عام 1972، وانتهج خلفه عبده جومبي السياسة نفسها ضد بقايا العرب، بل دمج حزبه الحاكم APS وحزب المعارضة في زنجبار TANU في الحزب الثوري الحاكم في تنجانيقا CCm عام 1977.
وعلى المنوال نفسه سار أسلاف غومبي ـ بعد استقالته 1978 ـ من حسن معيني ( 78م ـ 1985 )، وانتهاءً بسالمين عامور الرئيس الحالي للحكومة المحلية.
وبعد استئناف العلاقات مع مسقط بدأت زنجبار تعيد النظر في الماضي تحت شعار « إزالة آثار الثورة »، وترجمت ذلك بقرارات تسمح للعمانيين والعرب الذين غادروها عام 1964 بالعودة، وتتيح ترميم آثار المرحلة السابقة بما فيها تلك التي استُغلّت خلال حكم كرومي في تشويه صورة العرب. وتواجه هذه السياسات الجديدة مشكلة التعاطي مع الشعارات التي رفعتها الثورة على مدى السنوات الماضية واتسمت بالكراهية وإثارة الأهالي ضد العرب « المسيطرين على الاقتصاد والتجارة »، « وباعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين » في إطار حملة منظّمة ومستمرة.
الاقتصاد
أما بناء اقتصاد وطني مستقل فهو أكثر التوجهات صعوبة في التنفيذ؛ فاقتصاد زنجبار يعاني أوضاعاً غير مستقرة. ويتعرض دخل البلاد الرئيسي ـ وهو عائد تصدير محصول القرنفل ( يشكل 90 في المئة من الدخل الوطني ) ـ للتدهور بسبب انخفاض أسعاره العالمية ودخول منافسين جدد ( أندونيسيا )، حتّى أصبح غير كاف لتمويل استيراد الرزّ.
إلى ذلك لا تملك زنجبار مصادر ذاتية للطاقة، وتعتمد في تدبير احتياجاتها من البترول والطعام على تنجانيقا، وهو الأمر الذي يُعدّ معوقات الاستقلال.
ولا تبعث ملامح الاقتصاد الأمل على إمكان وجود اقتصاد وطني مستقل. وينعكس تردّي الوضع سلباً على أوضاع التعليم، فنسبة الأمية تقدر محلياً بنسبة 80 في المئة، ويوجد معهد واحد ينتهي التعليم فيه بالمرحلة الثانوية، وتتم الدراسة في الجامعات إمّا عبر جامعة دار السلام أو مِنح دراسية في الأزهر وبكين وموسكو. ولا يوجد سوى مدرستين ثانويتين للبنين والبنات ومدرستين فنيتين زراعية وصناعية إلى جانب معهد ديني، ويتم التدريب كذلك عن طريق الاتحادات الإفريقية أو منح التدريب من روسيا والصين ومصر.
وينعكس الوضع كذلك على الحالة الصحية، فهناك مستشفى حكومي واحد أطباؤه من روسيا والصين ومصر، إلى جانب عدد محدود من الوطنيين، ومستوصف خاص يملكه هنود.
إلى ذلك تعاني زنجبار أيضاً من أزمة سكانية حادة، إذ تنتشر في المناطق المحيطة بالعاصمة أكشاك خشبية وأكواخ من الصفيح يسكنها الفقراء، ولا يقلل من الأزمة حركة بناء مساكن شعبية تنفّذها الصين كجزء من المساعدات.
وتربط زنجبار بالعالم الخارجي رحلة أسبوعية لشركة « زانا » الجوية ( شركة مشتركة بين زنجبار وتنجانيقا )، ورحلة أسبوعية أخرى غير منتظمة لشركة « إير تنزانيا »، إلى رحلة أسبوعية ثالثة منتظمة مع دبي لشركة طيران الخليج. وترتبط بتنجانيقا بحرياً عبر 4 رحلات يومية تقوم بها مناصفة شركة ( See Ex - Press ) وشركة ( Flyin Hours ).
وبسبب الفقر فوسائل النقل الداخلي التي تتنوع من سيارات « الدلا دلا » ( قطاع عام ) وهي عبارة عن سيارات نقل ونصف نقل جهّزت كأوتوبيسات للعمل بين القرى إلى سيارات التاكسي ( قطاع خاص )، تعد الدراجات الوسيلة الأكثر انتشاراً وشعبية.
ملامح هذا الوضع الاقتصادي لا تشكل أساساً لدولة تتطلع إلى الاستقلال؛ فزنجبار تعتمد ـ وبشكل منفرد ـ على المساعدات الخارجية من مصر وعُمان والصين وشركة فنلندية ( تنفّذ مشروع إقامة شبكات للمياه )، إضافة إلى شركات ألمانية وبلجيكية ودانمركية تقوم بتمويل مشاريع للطرق.
لمواجهة هذا الوضع تحاول الحكومة المحلية الحصول على مساعدات لتوظيفها في مشاريع صغيرة، كما تحاول إيجاد مصادر غير تقليدية للدخل مثل بيع الأعشاب البحرية ( طعام ونشاط تصديري ) شكل عائد مليون دولار العام الماضي، وينتظر أن يزيد في الأعوام المقبلة بعد فتح الأسواق الأميركية أمام هذا الصنف.
وتشجّع الحكومة السياحة، إلاّ أن ظهور التيارات الدينية المعادية لهذا التوجّه يقلل من فرص تشجيع السائحين، وتدخل في مفاوضات لإنشاء صناعات مرتبطة بالصيد كالتعليب ومن ثم التصدير.
أما بناء اقتصاد وطني مستقل فهو أكثر التوجهات صعوبة في التنفيذ؛ فاقتصاد زنجبار يعاني أوضاعاً غير مستقرة. ويتعرض دخل البلاد الرئيسي ـ وهو عائد تصدير محصول القرنفل ( يشكل 90 في المئة من الدخل الوطني ) ـ للتدهور بسبب انخفاض أسعاره العالمية ودخول منافسين جدد ( أندونيسيا )، حتّى أصبح غير كاف لتمويل استيراد الرزّ.
إلى ذلك لا تملك زنجبار مصادر ذاتية للطاقة، وتعتمد في تدبير احتياجاتها من البترول والطعام على تنجانيقا، وهو الأمر الذي يُعدّ معوقات الاستقلال.
ولا تبعث ملامح الاقتصاد الأمل على إمكان وجود اقتصاد وطني مستقل. وينعكس تردّي الوضع سلباً على أوضاع التعليم، فنسبة الأمية تقدر محلياً بنسبة 80 في المئة، ويوجد معهد واحد ينتهي التعليم فيه بالمرحلة الثانوية، وتتم الدراسة في الجامعات إمّا عبر جامعة دار السلام أو مِنح دراسية في الأزهر وبكين وموسكو. ولا يوجد سوى مدرستين ثانويتين للبنين والبنات ومدرستين فنيتين زراعية وصناعية إلى جانب معهد ديني، ويتم التدريب كذلك عن طريق الاتحادات الإفريقية أو منح التدريب من روسيا والصين ومصر.
وينعكس الوضع كذلك على الحالة الصحية، فهناك مستشفى حكومي واحد أطباؤه من روسيا والصين ومصر، إلى جانب عدد محدود من الوطنيين، ومستوصف خاص يملكه هنود.
إلى ذلك تعاني زنجبار أيضاً من أزمة سكانية حادة، إذ تنتشر في المناطق المحيطة بالعاصمة أكشاك خشبية وأكواخ من الصفيح يسكنها الفقراء، ولا يقلل من الأزمة حركة بناء مساكن شعبية تنفّذها الصين كجزء من المساعدات.
وتربط زنجبار بالعالم الخارجي رحلة أسبوعية لشركة « زانا » الجوية ( شركة مشتركة بين زنجبار وتنجانيقا )، ورحلة أسبوعية أخرى غير منتظمة لشركة « إير تنزانيا »، إلى رحلة أسبوعية ثالثة منتظمة مع دبي لشركة طيران الخليج. وترتبط بتنجانيقا بحرياً عبر 4 رحلات يومية تقوم بها مناصفة شركة ( See Ex - Press ) وشركة ( Flyin Hours ).
وبسبب الفقر فوسائل النقل الداخلي التي تتنوع من سيارات « الدلا دلا » ( قطاع عام ) وهي عبارة عن سيارات نقل ونصف نقل جهّزت كأوتوبيسات للعمل بين القرى إلى سيارات التاكسي ( قطاع خاص )، تعد الدراجات الوسيلة الأكثر انتشاراً وشعبية.
ملامح هذا الوضع الاقتصادي لا تشكل أساساً لدولة تتطلع إلى الاستقلال؛ فزنجبار تعتمد ـ وبشكل منفرد ـ على المساعدات الخارجية من مصر وعُمان والصين وشركة فنلندية ( تنفّذ مشروع إقامة شبكات للمياه )، إضافة إلى شركات ألمانية وبلجيكية ودانمركية تقوم بتمويل مشاريع للطرق.
لمواجهة هذا الوضع تحاول الحكومة المحلية الحصول على مساعدات لتوظيفها في مشاريع صغيرة، كما تحاول إيجاد مصادر غير تقليدية للدخل مثل بيع الأعشاب البحرية ( طعام ونشاط تصديري ) شكل عائد مليون دولار العام الماضي، وينتظر أن يزيد في الأعوام المقبلة بعد فتح الأسواق الأميركية أمام هذا الصنف.
وتشجّع الحكومة السياحة، إلاّ أن ظهور التيارات الدينية المعادية لهذا التوجّه يقلل من فرص تشجيع السائحين، وتدخل في مفاوضات لإنشاء صناعات مرتبطة بالصيد كالتعليب ومن ثم التصدير.
نحو الهويّة
إلى جوار سعي زنجبار على المستوى الرسمي إلى تحقيق نوع أعلى من الاستقلال، يشهد الشارع والحياة اليومية نشاطات أكثر تعبيراً عن الهويّة. فعلى مدى الشهور الثلاثة الأولى من العام 1993 شهدت البلاد تظاهرتين ـ عقب صلاة الجمعة ـ تطالب بتطبيق « أحكام الإسلام »، و « إزالة آثار العلمانية »، وإغلاق نوادي الفيديو، ومحلاّت بيع الخمور التي أُحرق بعضها خلال أعمال عنف، ومنع السياحة.
كما ازدادت نشاطات جماعات إسلامية، حديثة النشأة، وجماعة « التبليغ والدعوة » في المساجد، وكتاتيب تحفيظ القرآن، ومعاهد لتدريس علوم الفقه والتفسير وسط تعاطف شعبي، وأصبحت شرائط تلاوة القرآن الكريم سلعة وحيدة لأغلب الباعة المتجولين وأساسيّة في كل المحلات.
ويتنازع حزبان الوجودَ السياسي في الشارع، هما فرع الحزب الثوري الحاكم في الدولة الاتحادية ( تشاما تشاما ممندوس ) أو الـ CCM برئاسة سالمين عامور رئيس زنجبار والنائب الثاني لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور، وحزب جبهة الاتحاد المدني CUF الذي يتزعمه سيف شريف حمادي ـ رئيس وزراء سابق لزنجبار ـ وهو من سكان جزيرة ممبا ويحظى منذ تأسيسه العام الماضي بشعبية كبيرة داخل زنجبار وحتى على مستوى الدولة الاتحادية. وهو ذو توجيهات دينية ـ وإن كان رسمياً ليس حزبا دينياً ـ ويضمّ غالبية السكان من الأصل العربي والمسلمين في تنزانيا. وأصبح شهر رمضان أحد التوقيتات التي تستغلها الغالبية المسلمة للتعبير عن انتمائها، إذ تشهد المساجد أكبر حضور، والمطاعم ومحلات الفيديو وبيع الخمور مغلقة، وعدد ساعات العمل تنخفض بمقدار ساعة، وتذيع المحطة المحلية الأناشيد والتواشيح الدينية. وهي ملامح كانت اختفت في بدايات الثورة عام 1964.
وتحوّل شهر ربيع الأول من السنة الهجرية كل عام إلى مناسبة احتفالية بمولود النبي محمّد صلّى الله عليه وآله تستمر مدة الشهر بكامله. وتحولت أكبر المساجد ( الجامع الكبير والمسجد الحنفي ومسجد ماليندي ) إلى مراكز تجمّع المسلمين في صلاة الجمعة كل أسبوع.
على ذلك فمستقبل تنزانيا ( الدولة الاتحادية ) في خطر، وأصبح استمرارها رهن رغبة شعب زنجبار في المزيد من الاستقلال ومدى قدرة الحكومة المركزية على التحمّل، خصوصاً أن استمرار الاتحاد على ما هو عليه الآن أمر مستحيل بالنسبة لشعب زنجبار في ضوء تصاعد المد الوطني والمشاعر الإسلاميّة.
ويرى الرأي العام هنا أن الأسباب التي أدّت إلى الوحدة قد زالت، وفي مقدمتها الحرب الباردة. كما يرى أن الغرب الذي كان نيريري قريباً منه، قبل تحوّله عام 1964، هو الذي فرض الوحدة بسبب مخاوف تحوّل زنجبار إلى قاعدة للاتحاد السوفياتي في المحيط الهندي.
إلى جوار سعي زنجبار على المستوى الرسمي إلى تحقيق نوع أعلى من الاستقلال، يشهد الشارع والحياة اليومية نشاطات أكثر تعبيراً عن الهويّة. فعلى مدى الشهور الثلاثة الأولى من العام 1993 شهدت البلاد تظاهرتين ـ عقب صلاة الجمعة ـ تطالب بتطبيق « أحكام الإسلام »، و « إزالة آثار العلمانية »، وإغلاق نوادي الفيديو، ومحلاّت بيع الخمور التي أُحرق بعضها خلال أعمال عنف، ومنع السياحة.
كما ازدادت نشاطات جماعات إسلامية، حديثة النشأة، وجماعة « التبليغ والدعوة » في المساجد، وكتاتيب تحفيظ القرآن، ومعاهد لتدريس علوم الفقه والتفسير وسط تعاطف شعبي، وأصبحت شرائط تلاوة القرآن الكريم سلعة وحيدة لأغلب الباعة المتجولين وأساسيّة في كل المحلات.
ويتنازع حزبان الوجودَ السياسي في الشارع، هما فرع الحزب الثوري الحاكم في الدولة الاتحادية ( تشاما تشاما ممندوس ) أو الـ CCM برئاسة سالمين عامور رئيس زنجبار والنائب الثاني لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور، وحزب جبهة الاتحاد المدني CUF الذي يتزعمه سيف شريف حمادي ـ رئيس وزراء سابق لزنجبار ـ وهو من سكان جزيرة ممبا ويحظى منذ تأسيسه العام الماضي بشعبية كبيرة داخل زنجبار وحتى على مستوى الدولة الاتحادية. وهو ذو توجيهات دينية ـ وإن كان رسمياً ليس حزبا دينياً ـ ويضمّ غالبية السكان من الأصل العربي والمسلمين في تنزانيا. وأصبح شهر رمضان أحد التوقيتات التي تستغلها الغالبية المسلمة للتعبير عن انتمائها، إذ تشهد المساجد أكبر حضور، والمطاعم ومحلات الفيديو وبيع الخمور مغلقة، وعدد ساعات العمل تنخفض بمقدار ساعة، وتذيع المحطة المحلية الأناشيد والتواشيح الدينية. وهي ملامح كانت اختفت في بدايات الثورة عام 1964.
وتحوّل شهر ربيع الأول من السنة الهجرية كل عام إلى مناسبة احتفالية بمولود النبي محمّد صلّى الله عليه وآله تستمر مدة الشهر بكامله. وتحولت أكبر المساجد ( الجامع الكبير والمسجد الحنفي ومسجد ماليندي ) إلى مراكز تجمّع المسلمين في صلاة الجمعة كل أسبوع.
على ذلك فمستقبل تنزانيا ( الدولة الاتحادية ) في خطر، وأصبح استمرارها رهن رغبة شعب زنجبار في المزيد من الاستقلال ومدى قدرة الحكومة المركزية على التحمّل، خصوصاً أن استمرار الاتحاد على ما هو عليه الآن أمر مستحيل بالنسبة لشعب زنجبار في ضوء تصاعد المد الوطني والمشاعر الإسلاميّة.
ويرى الرأي العام هنا أن الأسباب التي أدّت إلى الوحدة قد زالت، وفي مقدمتها الحرب الباردة. كما يرى أن الغرب الذي كان نيريري قريباً منه، قبل تحوّله عام 1964، هو الذي فرض الوحدة بسبب مخاوف تحوّل زنجبار إلى قاعدة للاتحاد السوفياتي في المحيط الهندي.
( دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعية 209:7 ـ 216 )
Saturday, July 9, 2016
ذاكرة من التاريخ
صحيفة أثير الالكترونية
24/5/2016
عبدالعزيز السعدون
في مثل هذا اليوم الثاني عشر من شهر يناير لعام 1964فقدت عمان والعمانيون اخر القلاع الحصينة زنجبار بعد اكثر من الف عام على وصول العمانيين الى الشواطئ الافريقية الشرقية والبحيرات العظمى في ادغال افريقيا المجهولة في تلك الازمنة ، اطاحت ثورة زنجبار بآخر سلاطينها جمشيد بن عبدالله آل سعيد ، الثاني عشر من يناير الساعة الثالثة صباحا تتعرض مراكز الشرطة والمقار الحكومية الرئيسية وقصر السلطان لهجوم مجموعة متمردة بقيادة زعيم حزب الأفرو شيرازي آماني عبيد كارومي الذي أناب سكرتير الحزب لبمبا والجزار المجرم اوغاندي الاصل جون اوكيلو في تنفيذ المجزرة ، بينما ظل عبيد كارومي على البر الافريقي متابعا تنفيذ المخطط الإجرامي بما في ذلك إحباط أي طلب استغاثة من السلطان والحكومة في زنجبار مؤكدا ذلك المندوب السامي البريطاني في زنجبار تيموثي كرستويت في نفيه وجود أي اعتداء على الرعايا البريطانيين عندما وضعت القوات البريطانية في كينيا على أهبة الاستعداد بناء على طلب السلطان ونصحتهم بعدم التدخل مساء ذلك اليوم ، هذا بجانب الدعم المباشر واللوجستي من الرئيس التنزاني جوليس نيريري . فر السلطان جمشيد وأسرته ورئيس الوزراء محمد شامتي حمادي والوزراء على اليخت السلطاني المسمى سيد خليفة . استولى المتمردون على القصر وباقي الممتلكات السلطانية بعد مقتل ثمانين من الحراس والموظفين وجرح مئتين آخرين . وأعلنوا حكومة جديدة في اليوم الثاني. الثالث عشر من يناير أقرت الولايات المتحدة بعد إجلاء رعاياها بأن زنجبار تخضع للنفوذ البريطاني لذا فإنها لن تتدخل ، وكانت نتائج المؤامرة ( الثورة ) كسر هيمنة العمانيين التي استمرت مئتي سنة على سواحل افريقيا الشرقية بدأ من مقديشو وحتى رأس دلجادو في اقاصي الشرق الافريقي، وقتل أكثر من عشرين الفا من العمانيين والعرب و الاسيويين ومصادرة الممتلكات من بيوت و مزارع ومتاجر وطرد وقتل من قاوم الثورة . اندمجت زنجبار مع تنزانيا كوحدة سياسية وتزعم عبيد كارومي الحكومة المحلية كرئيس لزنجبار كونه أول من شغل هذا المنصب ، اغتيل كارومي في السابع من ابريل من عام 1972م على يد أحد أبناء ضحايا مجزرة ستون تاون عاصمة زنجبار ، وبذلك تكون عمان قد فقدت الجناح الافريقي من نفوذها بعد ستة أعوام فقط من فقدها الجناح الاسيوي المتمثل في جوادر و مكران . إنها قصة التاريخ ونهاية الامبراطوريات وتدافع الاحداث . لكن التاريخ يعيد نفسه على يد صانعيه ، فالجرح الأليم والعميق الذي أصاب العمانيون في الشرق الافريقي تلاقى مع جراحات جوادر و مكران فهل من مداو؟
لقد استجاب رب العباد لدعوات أحفاد الائمة والسلاطين والجنود البواسل الذين عبروا المحيطات وارتادو البحار وطردوا الغزاة وشيدوا الحضارات ونشروا الدين وأقاموا العدل و رسخوا القيم ورفعوا اسم عمان عاليا خفاقا على الديار والامصار .
نعم لقد استجاب الله تعالى لدعوات المؤمنين والمؤمنات من قهر و ظلم الانسان لأخيه الانسان . فكان الفتح المبين عام سبعين و بزوغ فجر جديد على عمان المجد والتاريخ، انه عصر قابوس عصر العزه والكرامة عصر الامل والحب والعطاء عصر العودة إلى قيادة مسار التاريخ بعد انكفاء عنه لعقود من الدهر. عادت الطيور المهاجرة إلى الاحضان الدافئة الى الام الحنون لتبني مع أبناء عمان الصامدين على الارض المباركة مجدا جديدا يضاف إلى أمجادها التليدة .
زيارة رئيس حكومة زنجبار سالمين عامر او عامور الى مسقط عام 1991م وتقديم اعتذاره الى جلالة السلطان والشعب العماني عن أحداث عام 1964م في الانقلاب الدموي ضد السلطان جمشيد بن عبدالله آل سعيد ، مهد لفتح صفحة جديدة لترميم العلاقات التاريخية بين عمان وشرق أفريقيا ومد الجسور الى ذلك الأرث العماني وترميم الأثار العمانية والحفاظ عليها ، بجانب المساعدات الاقتصادية في المجالات التنموية المختلفة وأهمها المطار و معهد التمريض و المستشفى المرجعي. والسماح بعودة العمانيين الذين غادروا زنجبار عام 1964م و إعادة بعض ممتلكاتهم وإزالة الشعارات التي اتسمت بالكراهية ضد العرب . وكانت سلطنة زنجبار قد خسرت املاكها مع بداية عام 1887 و 1892 امام القوى الاستعمارية العظمى حيث باعت او تنازلت عن بعضها مثل
( مقديشو إلى ايطاليا ) و (ممباسا إلى بريطانيا ) .
Sunday, July 3, 2016
فرضاني،،، خطرات وأسفار
د.محمد المحروقي
مجلة الفلق الالكترونية
السفر هو الموضوع الأقرب إلى النفس، حيث المختلف والعجائبي والمدهش. نسافر في الأماكن والقارات ، كما نسافر على صفحات الكتب.
تشدّنا مدن بعبقها التاريخي كزنجبار والقاهرة، وتشدّنا مدن أخرى بحداثتها وصخبها كباريس ودبي، إلى حدّ ما. وتجذبنا جميعاً كتب التاريخ والحضارة والأسلاف. إنه نوع من البحث الطبيعي عن الجذور لقبول الذات واطمئنانها. وينشدّ بعضنا إلى كتب دقيقة في تخصّصه أو على سبيل الهواية. في هذه المساحة وتحت العنوان نفسه سنلتقي معاً في خاطرة من خطرات السفر، حول حكاية عن مدينة أو موقف أو شخصيّة أو كتاب.
وكلمة “فرضاني” الواردة في العنوان شاهدة بارزة على تلاق حضاري مما تمّ بين الأمم والشعوب. ونحن في عمان نفخر لأننا ننتمي لشعب موغل في العراقة والأصالة والتفاعل الايجابي مع الآخر. وقد ضربنا بسهم فائز في ذلك التلاقي المشار إليه، وينبغي أن لا نبادل به خسرانا. والفُرضة في العربية هي: «محط السفن من البحر» كما ورد في القاموس المحيط. وورد في لسان العرب:وفُرْضةُ النهر: ثُلْمَتُه التي منها يُسْتقى. وفي حديث موسى، عليه السلام: حتى أَرْفَأ به عند فرضة النهر أَي مَشْرَعَتِه، وجمع الفرضة فُرَضٌ.
وفي حديث ابن الزبير: واجعلوا السيوف للمنايا فُرَضاً أَي اجعلوها مَشارِعَ للمنايا وتَعَرَّضُوا للشهادة. وفُرْضَةُ البحر: مَحَطُّ السفُن.
وفي حديث ابن الزبير: واجعلوا السيوف للمنايا فُرَضاً أَي اجعلوها مَشارِعَ للمنايا وتَعَرَّضُوا للشهادة. وفُرْضَةُ البحر: مَحَطُّ السفُن.
وفي اللغة السواحلية يرد استخدام الكلمة بشكل متواتر ، وبمعنيين اثنين مترابطين؛ الأول أن الفرضة هي الميناء ، وهي تسمية اصطلاحية محضة متفقة تماماً مع الاستخدام اللغوي العربي. والمعنى الثاني ينضاف إليه مدلول اجتماعي ترفيهي حيث يكون الفرضاني هو الشاطيء الخاص الذي يذهب إليه الناس عصر كل يوم للترفيه والعشاء ومقابلة الأصدقاء. وهو عبارة عن مطعم مفتوح بمشاكيك اللحم والدجاج والحبار وأم الربيان المسماة الصفيلح، وبه خبز التشباي وعصير قصب السكر. ويبدأ الباعة بالتوافد إليه منذ الظهر، بينما يبدأ حضور الناس بعد العصر. ويستمرون حتى ساعة متأخرة من الليل. ويقع في مدينة الحجر القديمة في قلب زنجبار.
إن كلمة “فرضاني” كلمة محورية تجمع لغوياً ثقافتين اثنتين تفاعلتا ايجابياً على مدى قرون عديدة. فاللغة السواحلية هي مزيج من ألفاظ اللغتين العربية والبانتوية. يقال – غالباً- إن اللغة السواحلية أخذت من اللغة الأولى الألفاظ، ومن الثانية القواعد. هذه المفردة أتمنى أن أراها أيقونة لمشروع علمي يبرز ذلك التلاقح وعلامة المسجلة لشركة تسوّق منتجات الثقافة السواحلية، وهي عديدة جداً.
ومثيل لهذه الكلمة كثير كثير. فكلمة “سلطاني” السواحلية هي نفسها كلمة “سلطان” العربيّة، وتستخدم للدلالة على زعماء القبائل. وذلك استخدام مطابق للاستخدام العربي. وعندما كنت أترجم كتاب “مغامر عماني في أدغال أفريقيا” للفاتح العماني الذي سيطر على الكونغو وأجزاء كبيرة مما يسمّى الآن تنزانيا وكينيا وأغندا، وقد لقّبه معالي السيّد مستشار السلطان للشؤون الدينية والتاريخية محمد بن أحمد بن سعود البوسعيدي بصقر عمان، هذا المغامر هو التاجر حمد بن محمد المرجبي الملّقب بتيبو تيب. أقول عندما كنت أترجم سيرته الذاتية كانت تستوقفني كثيراً الكلمات العربيّة المجراة على قواعد لغة البانتو. لكنّني كنت غالباً أجد كلمات عربية صرفة في سياق جملته السواحلية، مثل كلمة “نعمة” أي فضل وخير، وكلمة “السنبوق” وهو المزمار الطويل المقوّس المتخذ من قرون بعض الحيوانات. وفي أحيان أخرى أجد استخداماً لآيات قرآنية كاملة ، مثل “ولا تلوموني ولوموا أنفسكم”. وهي مواضع كان المترجم الانجليزي المستفرق (على نسق المستشرق) وايتلي يضطرب في ترجمتها ، ويتجاوزها في بعض الأحيان.
وفي زيارتي الأخيرة لتنزانيا سمعت استخداماً شدّ انتباهي. كانت أمّ تصرخ في ابنها مؤنّبة بالسواحلية: “واستعرابو وايا”. أي: ألا تتحضر أنت!. ومكان “تتحضّر” استخدمت كلمة “واستعرابو” ، ومعناها الحرفي أو الأصلي ألا تتعرّب. وهذا الاستخدام عجيب جداً. فبين اللهجات أعرف أن اللهجة العمانية تستخدمة الكلمة نفسها للدلالة على التحضّر، فنقول: متى يستعرب هذا؟ أي متى يكون شبيها بالعرب فيتحضّر. ولا أستبعد أن تشاركنا لهجات أخرى في الاستخدام. والأمر الثاني أنّ العربي كان مثالاً للمدنيّة والرقي ، لذا اختارت السواحلية هذه المفردة.
وهذا الحضور الكثيف للغة العربية مفهوم مقبول ضمن ما أشرنا إليه من دور للعمانيين في خلق هذه الثقافة ، بل هذه الهويّة الجديدة؛ السواحليّة. وللتذكير فإنّ السواحلية كتبت أولاً بالحرف العربيّ، والمرجبي نفسه كتب سيرته بالحرف العربي ، ثم ضاع هذا المخطوط، ولم يصل إلينا سوى نصّ وايتلي المكتوب بالحرف اللاتيني. والبحث مازال جاريا عن المخطوط الأصل. ومذ قريب التقيت بالأخ محمد بن علي بن محسن البرواني وحدّثني بما يسعدني في هذا الشأن. فعسى أن تنتعش النفوس بالحصول على هذا المخطوط المكتوب بخط المرجبي الجميل بطابعه العماني المميّز.
زرت زنجبار عدة مرات منذ 1992م حتى الآن. فرحلتي الأولى خارج عمان كانت إليها. كما زرت كينيا وأوغندا وجزر القمر. وقد عدت بزاد خصب من هناك. آلاف الوثائق والصور والكثير من الذكريات. وأسعى إلى زيارة الشريط الشرق الأفريقي بأكمله من الصومال إلى مدغشقر، ولا أنسى جزر السيسشيل. فعسى أن يتسنّى ذلك قريباً.
Subscribe to:
Posts (Atom)