محسن الكندي : مجلة نزوى
العدد 18
تشكل صحافة المهجر العماني – منذ صدورها المبكر في أوائل هذا القرن – واقعا
تسجيليا هاما لفترة دقيقة من تاريخ الثقافة العمانية في شرقيا أفريقيا، حيث المهجر
العماني الخصيب والغني بكثير من الرؤى والتطلعات الحضارية التي خلفها العمانيون على
كافة المستويات: السياسية والاجتماعية والثقافية.. وهي فترة تقترن أيضا بمساقات
الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما صاحبهما من قلق سياسي، ونتج عنهما كافة
أشكال الفقر، والعوز والهجرة، والتشتت على الصعيد الاجتماعي بالتحديد.. كما أن هذه
الفترة من جانب آخر تقترن بظهور خطاب ثقافي جديد شكلته جهود المصلحين والتنويريين
في عمان وخارجها، والتي خاضت مراسها الثقافي عبر الصحافة والتأليف التاريخي (1)،
والفقهي، بل وحتى الأدبي من خلال قصائد الشعر والمنظومات
الوثائقية (2) التي تحفظ كيان الهوية للأمة، بعد حاله التشتت والتبعثر تلك.
لقد كانت مهمة أولئك التنويريين صعبة للغاية، لأنها انبثقت من تحولات خطيرة على
المستويين السياسي والاجتماعي، وحددت مسارها وسط مغبة الامكانيات المحدودة
لمجتمعاتهم أفقا ورؤية، ومن ثم تقبلا ورفضا، تذكيها في ذلك مصاعب مادية وأخرى
معنوية لوطنهم "الأم عمان" ومهجرهم الشرقي "زنجبار وافريقيا الشرقية" (3) ..من تلك
الظروف مجتمعة جاءت نماذج الصحافة العمانية في شرقي افريقيا ممثلة في جرائد وصحف
ومجلات عديدة من مثل: "النجاح" (4) و "الفلق" و "النهضة" (5) و"الشروق" و"المرشد"
(6) و "الأمة" (7) و"المعرفة" و"مجلة المعلمين" (8) و"الاصلاح" (9) وجريدة "زنجبار"
(10) جاءت لتصيغ ما يسمى بـ "سوسيولوجيا
الثقافة" للمجتمع العماني سواء في مكان صدورها "زنجبار أو في مدن افريقيا
الشرقية" أو حتى في عمان ذاتها، لأن التواصل كان قويا بينها رغم بعض العقبات
السياسية والجغرافية التي تظهر بين وقت وآخر.
لقد حددت تلك الصحف – بفض النظر عن تفاوت مستواها الفني والموضوعي – توجهات
المثقف العماني التنويري في تلك الفترة الخصبة بمعالم التنوير في الوطن العربي،
وخاصة في عواصمه الثقافية الكبرى: بغداد والقاهرة وبيروت، ودمشق. حيث كان ذلك
التحديد يقع في دائرة الانقسام بين نموذجه المنتمي الى جذوره القبلية وهويته
الاسلامية والحداثية من طرف، وبين التوجه التنويري، والحلم بالديمقراطية من طرف
آخر، وهذا ما قدمته كك الصحف في خطابها الثقافي العام.
التنوير رؤية ومفهوما
إن مناقشة مثل تلك الاطروحات التنويرية للمثقف العماني من خلال تلك الصحف يقودنا
في باديء الأمر الى الخوض في غمار مفاهيم التنوير كما حددتها الموسوعات والمعاجم
ودوائر المعارف المختلفة بيد أننا لن نغفل التفرقة بين مفاهيم ثلاثة. تدخل ضمنا في
سياق حركة هذا المصطلح "التنوير" وهي "ميتافيزيقيا النور" و "فكر الأنوار" و
"أيديولوجيا التنوير".. ولكننا سنطرح قبل ذلك كلا عدة أسئلة هي مثار موضوعنا
الحقيقي في هذا البحث من مثل: "ما التنوير؟ وهل الصحافة وعاء حافظ له؟ ولماذا ظهرت
فكرة التنوير مع بدايات القرن بالذات؟ وما مكونات هذا التنوير في هذه الصحافة؟
والاجابة عن هذه الأسئلة يمكن استجلاؤها من خلال تلك المفاهيم الثلاثة:
فالمفهوم الأول "ميتافيزيقيا النور" أعمي به كل منظومات الأفكار المبنية على /أو
المنبثقة عن، أو المكرسة لأي خطاب يضع موضع التعارض الكلي لكلمتي "النور" و
"الظلام" لكي يلحق بالأولى مقولات "ايجابية" مثل: الحق والخير والهداية والعقل
والعلم والتقدم.. وبالثانية مقولات "سلبية" مثل الباطل والشر والجهل والتخلف..
والمفهوم الثاني "فكر الأنوار" فهو كل حركات الأفكار والاعتقادات التي هيمنت على
الثقافة الغربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، والتي تتجه الى
المحافظة في بريطانيا، والى العلمانية في فرنسا، والى الروح الدينية المشبعة
بالروحانيات في ألمانيا، والى الفكر التطهيري الذرائعي في الولايات المتحدة.
أما المفهوم الثالث "أيديولوجيا التنوير" فنعني به أية ممارسة فردية أو جماعية
أو خطابية أو مؤسسية تستهدف تحويل بعض الأفكار وبنى المعتقدات، وبعض القيم التي
نعتقد أنها "تنويرية" الى مشروع أو برنامج يهيمن عي غيره سواء بهدف تهميشه أو بهدف
نفيه أو محوه وازالته" (11).
والسؤال الذي يطرح نفسه من بعد كل ذلك – أين يقع مفهومنا للتنوير من بين تلك
المفاهيم الثلاثة؟ والاجابة تكمن في كونه مزيجا منها، ومحاولة فصله تكشف عن التوهم
الواقعي الذي يفرضه واقع الحال. إنه واقع ذرائعي كما حدده المفهوم الأول، وواقع
تحويلي /تطوري كما في المفهوم الثاني، بل إنه واقع عقائدي كما في المفهوم الثالث،
لذا فالتنوير يعني كل ذلك. فهو سلوك وممارسة، واعتقاد راسخ في ذهنية الفرد والجماعة
معا نحو التطوير والتحويل الى الافضل وفق رؤية حضارية، ومنهج سليم.
وبعد: هل يا ترى حققت الصحافة وهي تصدر في زمن البدايات جزءا أو كلا من ذلك
التنوير؟
الاجابة أيضا مرهونة باستقراء اطروحتها التي قدمت على مدار صدورها نموذج المثقف
التنويري. لا المصلح السلفي، الذي لا يشكل الانقسام في مرجعيته وتكوينه سوى جوانب
محددة من الخلل المتصل بفهم الدين ومعالجة بعض الأمور والفروع، والموقف من التقاليد
التي طبق عليها الجهل وران عليها التخلف.
إن هذا النموذج في كل اطروحاته الثقافية – وعلى امتداد الوطن العربي – والخليج
وحتى زنجبار أيضا – لا يختلف مع كيانه المنتمي اليه واقعيا، فهو لا يختلف مع
القبيلة، ولا مع النخبة الاعيانية، ولا حتى مع السلطة، وإنما هو يتحالف مع هذه
الأطراف كلها، وتصبح رؤيته في المجمل العام عقلا متزمتا، ورؤية متطرفة نحو كل بوادر
التحضر، رافضا إياها مشترطا شروطه القاسية معها ومع كل طلائع النور التي يردها،
فتحول رؤيته الى أفق ضيق، ونظرة واهية قاتمة سوداوية، وهذا هو الخلاف العميق بين
المصطلح السلفي والمثقف التنويري، والأخير هو الذي قدمته الصحافة ورحبت به، بل ورحب
بها هو، رغم بدايات الزمن، وبوادر التكوين.
الصحافة والمثقف التنويري: الميلاد والانطلاقة
ليس بوسعنا بيان دور المثقف التنويري في عملية التحضر.. فدوره واضح للعيان منذ
طلائع النهضة الحديثة التي شهدتها أقطار الوطن العربي. ذلك أن انفتاح عقله دون
مصاحبات مقيدة، وشعوره بضرورة مجاراة العالم فيما هو فيه من فنون المدنية والرقي
بعين واعية، وصدر رحب، أعطياه السمة، بل الدفعة الأولى لخوض غمار الاصلاح. وكانت
الصحافة وعاءه الأول الذي صب فيها عطاءه غير المحدود: جرى ذلك في كافة أقطار الوطن
العربي بدءا بأول صحيفة صدرت في البلاد العربية عام 1798م، ومرورا بصحيفة الوقائع
المصرية التي صدرت عام 1828م و "المبشر الجزائرية" التي صدرت عام 1847م، و "حديقة
الأزهار" اللبنانية التي صدرت عام 1858م، "و"صنعاء" اليمنية التي صدرت عام 1877م،
وانتهاء بأول صحيفة تصدر في بداية القرن العشرين: وهي صحيفة (القدس) عام 1904م
(12). غير أن المثقف التنويري في منطقة الخليج العربي ساهم أيضا في ذلك العطاء،
وكانت الصحافة أيضا سهمه الموجه تجاه المجتمع والواقع، فبدأت إصداراته متوالية بدءا
بصحيفة "الحجاز" السعودية عام 1908م (13)، ومجلة "الكويت" عام 1928م، وجريدة صوت
البحرين 1939م، ومرورا بصحافة إمارات الساحل عام 1961م، ودولة قطر عام 1960م
وانتهاء بجريدة "الوطن العمانية" التي صدرت عام 1970م (14) وأيضا "الغدير" التي
صدرت عام 1977م، وأخيرا "نزوى" التي صدرت عام 1995م.
ناهيك عن الصحف والجرائد التي أصدرها العمانيون في المهجر الافريقي. والتي هي
مثار موضوعنا. فالعمانيون استوطنوا شرق افريقيا، وأقاموا فيها حضارتهم الحديثة
وازدهر نشاطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كثير من الدول الافريقية. وتعود
بداية علاقتهم بالصحافة الى تأسيس أول جمعية عربية في زنجبار وشرق افريقيا ابان حكم
السلطان علي بن حمود بن محمد (ثامن سلاطين العمانيين في زنجباروالجزيرة الخضراء)
عام 1908م، وذلك بغرض رعاية مصالح العرب القاطنين في أراضي شرق افريقيا والخاضعة
لحكمه.
كما تعود تلك العلاقة أيضا الى انشاء أول مطبعة في زنجبار، تلك الطبعة التي ظهرت
في عهد السلطان برغش بن سعيد، والذي حكم في الفترة من ( 1870-1888م) وأسماها
(المطبعة السلطانية) (15) وقد قامت بدور مهم في بلورة كثير من مظاهر التحضر بدءا من
طباعة عشرات الكتب الأدبية والفقهية والدينية أمثال كتاب: (هيمان الزاد، وقاموس
الشريعة، وحاشية الترتيب، ومختصر الخصال، وجامع البسيوي، ومنظومة مدارة الكمال
وغيرها).. وانتهاء بطباعة كثير من الصحف التي أثرت في هذا التحضر بعمق.. وساهمت في
كثير من مظاهر التنوير خاصة وأن محرري هذه الصحف نخبة من العلماء الأفذاذ والأدباء
الكبار نذكر منهم: العلامة الشيخ الأديب ناصر بن سالم الرواحي صاحب مجلة (النجاح)،
والشيخ الشاعر أحمد بن حمدون الحارثي، والشيخ ناصر بن سليمان اللمكي، والشيخ أحمد
بن سيف الخروصي محرر صحيفة "المرشد" والسيد سيف بن حمود بن فيصل مؤسس جريدة النهضة،
والأمين بن علي المزروعي الذي أصدر جريدة "الاصلاح" والشيخ هاشل بن راشد المسكري،
والاستاذ أحمد بن محمد اللمكي، و محمد بن هلال البرواني من أصحاب جريدة "الفلق" وقد
تول كل منهم رئاسة تحريرها. وكذلك سيف بن عيسى البرواني والأديب محمد بن علي
البرواني والأخير صاحب مقامات أبي الحارث البرواني المعروفة في الأدب العماني
الحديث. إن الصحافة الزنجبارية بهذه النخبة من العلماء والمشايخ المثقفين، والطلائع
التنويرية، وبما أوتيت من فسحة فكرية ومعنوية لا بأس بها، كانت منبرا هاما من
المنابر الثقافية التي لعبت دورا كبيرا في النهضة الفكرية، ليس في زنجبار وحدها بل
حتى مدن شرق افريقيا، وعمان أيضا، فلقد اسهم هؤلاء المفكرون بدور ملحوظ في النهضة
الأدبية – والدينية من خلال تنبيه تلك المجتمعات بالأخطار المحدقة بهم وذلك حفاظا
على هويتها العربية / الاسلامية التي لاشك أنها مهمة في تلك الفترة وفي ظل تلك
الظروف العصيبة حيث دوافع التغريب، واطروحات الاستشراق في كافة مظاهرها. ويمكن تلمس
دور تلك الصحف من خلال أهدافها وأهداف الوجود العماني في شرق افريقيا قاطبة: والتي
يمكن ايجازها في النقاط التالية:
1- التركيز على مصالح البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب توجهها
الرسمي، ولأنها صادرة من مؤسسات وجمعيات تنتمي قلبا وقالبا لأطروحات وآراء
رسمية،ولذلك عنيت بالاهتمام بالمشاكل الاقتصادية التي هي عماد البلد ومن ذلك مشاكل
الانتاج والتسويق للحا صلات الزراعية وفي مقدمتها محصول القرنفل عماد البنية
الاقتصادية في زنجبار وشرق افريقيا قاطبة (16) ولهذا لا ضير أن تتخذ جريدة "الفلق"
كبرى الصحف الزنجبارية شعارها من هذا التوجه الاقتصادي فهي (جريدة أدبية، سياسية،
زراعية) وذلك تمشيا مع طبيعة تلك المصالح الرسمية واثباتا لطبيعة أبوابها الثابتة
التي لم تحد عنها.
2- القيام بالدور النهضوي (الوحدوي)في طابعه الاسلامي أولا، ثم العربي ثانيا،
فهذه الصحف بلورت دورها في هذين المجالين من خلال توعية المسلمين في شرق افريقيا
بأمور دينهم ودنياهم تدفعها في ذلك مباديء وقيم عربية أظهرتها أفكار كثير من محرري
هذه الصحف فها هو الشيخ ابو مسلم الرواحي في مقدمة هؤلاء الدعاة الى هذا الدور
الوحدوي إذ يقول في مقدمة ديوانه الشعري:
".. حررت جريدة النجاح طلبا في ائتلاف الرابطة الاسلامية، لكي تبلغ من الكمال
مبلغا يكون عليه منشأ الترقي، وفتح باب السعادة لبنى الانسان، ودعاء الناشئة
الزنجبارية الى اقتطاف ثمرة العلم النافع، ونبذ طريق الجهلاء.." (17).
وكان الشيخ الأمين بن علي المزن وعي قد اختط لنفسه نفس التوجه، باصداره لجريدة
الاصلاح، فبدءا من عنوانها، وانتهاء من استشهادها بالآية القرآنية (إن أريد إلا
الاصلاح ما استطعت) كلها تشير الى الاصلاح منهجا، والوحدة هدفا، والتنوير طريقا.
تبعا لكتاب الله، وسنة نبيه المرسل. وكان بينه وبين أصحاب البدع والخرافات والأفكار
السلفية ما يكون بين المؤمن والكافر من تنافر.
3- الاهتمام بعمان (الوطن الأم) لأنها تشكل الهاجس الأكبر لمحرري هذه الصحف، فهي
الموطن الأول، وهي الثقافة الأولى لهم، ولذا كانت حاضرة في كل صحيفة من تلك الصحف،
تتجسد أخبارها بين وقت وأخر، لأنها الكيان الذي ينتمي اليه هؤلاء المحررون مهما كان
مهجرهم جميلا وحياتهم فيه تتسم بالسعادة والهناء.
ولذا بدت أخبار عمان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية متجسدة في
أروع صورها في صفحات هذه الصحف والجرائد، ولعلنا نذكر افراد صفحات خاصة بعمان،
وتاريخها وعلمائها وعظمائها، وتعدى الأمر الى ذكر كل ما هو متصل بها: من طقسها
ومناخها، والكوارث الطبيعية التي تحل بها، ولم تغب قضيتها السياسية، ولا أزهتها
الحضارية عن تلك الصحف في أية لحظة من اللحظات، بل قدمت أبرز الحلول للنهوض بها،
ومختلف التسهيلات لتجاوز قضيتها سياسيا وثقافيا. وكان اتصال رؤساء هذه الصحف
وكتابها ومحرريها بأهم أقطاب القيادة السياسية في عمان واضحا. حيث عرض عليهم أهم
الاقتراحات للنهوض بها من محنتها تلك وبخاصة في النصف الأول من هذا القرن الميلادي.
(أي في العشرينات والثلاثينات وحتى الستينات).
ولم تغب عن هذه الصحف ثقافة عمان وتاريخها المجيد، كما لم يغب عن بعض محرريها
مظاهر الافتخار بها دائما. فها هو أبو مسلم الرواحي يورد ذلك في قصيدته
اللامية، وقد نشرتها جريدة النجاح:
تفضل بالزيارة في عُمان
تجد أفعال أحرار الرجال
تجد ما شئت من مجد وفضل
واحساب عزيزات المنال
تجد ما قدمته من المنايا
خيول الله في حزب الضلال
تجد في هيبة الاسلام شأنا
عليه الكفر مبيض القذال
تجد همم الرجال مصممات
بثأر الدين ترفض كل غال (18)
4- الحضور الدائم في الفعاليات الثقافية العربية والتواصل مع الحركة الفكرية
العربية، فلقد رأينا أن أغلبية تلك الصحف تستقي أخبارها من مختلف الصحف العربية: في
سوريا ومصر والجزائر والعراق ولبنان وغيرها، ولم يقتصر حضورها ذلك على كل الأخبار
بل، تواصلت صلتها مع أقطاب التنوير في الوطن العربي أمثال: محمد رشيد رضا صاحب
(المنار) وزكي مبارك صاحب (الرسالة)، وقبلهما مع مختلف رواد الاصلاح والتنوير في
الوطن العربي من أمثال: محمد عبده، وجمال الدين الافغاني، والشيخ اطفيش، وسليمان
الباروني ومحب الدين الخطيب، ومحمد لطفي جمعة. وغيرهم الكثير والكثير. ولقد وصل ذلك
التواصل ذررته عندما شارك أبو مسلم الرواحي بقصيدة في المؤتمر الاسلامي الذي عقد في
القاهرة برئاسة (رياض باشا) ونقتطف هنا بعضا من أبيات تلك القصيدة:
هزت العالم أدوار البشر
ينقضي الدور بأدوار أخر
كل دور رقص الدهر له
ضايق العالم وارتاد القمر
أيها العالم سعها جلدا
إن نصف الليل يتلوه السحر
إن هذا النيل أم حافل
كلنا يرضع منها ويذر
وضعتها لبنا ثم دما
واغتبطنا بمشاش ووبر
وهي لا يقنعها ما ترتمي
لا ولا يقنعها بلغ الحجر
ذكرتنا بعصا موسى على
أن ذي تلقف أرواح البشر
نيلنا في الغرب يجرى ذهبا
وبقينا نترامى في الحفر
لو ملكنا السيف لم نرجع الى
قلم في النصر ان قام عثر (19)
وتعدى ذلك التواصل حدود المشافهة واللقاءات السريعة الى تواصل النشر والتوثيق
والاصدار، فلقد نشر الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي بحثا في مجلة (الهلال) المصرية
الصادرة يوم 1/7/ 1906 حمل العنوان التالي: "أشهر الحوادث وأعظم الرجال: حميد بن
محمد المرجبي فاتح الكونغو" (20).
ويعتبر هذا البحث لسيرة الشيخ المرجبي – كما يردها بعض المؤرخين – وثيقة تاريخية
على قدر كبير من الأهمية (21) ومصدرا أصيلا للباحثين والمهتمين بالدراسات العمانية
بصفة خاصة، لأنه يلقي الضوء على المؤثرات الحضارية العمانية في الكشف عن مجامل
القارة الافريقية، والنشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي ترتب على الوجود
العربي العماني في مناطق البر الافريقي.
إن هذا التواصل يكشف من جهة أخرى – عن مدى العضوية التي ينتمي اليها رواد
التنوير والاصلاح (محررو هذه الصحف ورؤساؤها) في اطار صلتهم الحضارية بمجريات
الساحة العربية ثقافيا وأدبيا وسياسيا مما يوصلهم في نهاية الأمر بنماذج المثاقفة
العضوية، في أبعد معانيها.
إن هذه الأسماء على الطرف الآخر – لا يمكن الجزم بها لولا أن الثقافة المادية
قدمت لنا نماذجها منذ أن بدأت الأشعار تأخذ مسلكا معنويا يصل الى حد الافتخار بها
وتزيين القلاع والحصون والسيوف بها كما فعل شعراء تلك الديار (22) (محمد بن سعود
الصاري) وخلف بن سنان الغافري والعلامة الشيخ مسلم الرواحي، والشيخ أحمد بن راشد
الغيثي، وعبدالرحمن الريامي وبشير بن عامر النزاري وغيرهم.
وأيضا لا يمكن الجزم بها لولا أن المصادر الثقافية والفقهية والتاريخية عربية
كانت أم أجنبية قدمت لنا اسماءها، سواء تلك الأسماء المتصلة بالتأليف الفقهي
والتاريخي أو الأدبي (23) من أمثال: العلامة الشيخ ناصر بن أبي نبهان (1778- 1847م)
الذي عنى بالتأليف في الفقه والطب والفلك، ومن أشهر مؤلفاته (الحق اليقين)، و(لطائف
المنن في أحكام السنن) و(السر الجلي في ذكر أسرار النبات السواحلي).
وكذلك الشيخ العلامة محمد بن علي المنذري صاحب كتاب (الخلاصة الدامغة)، وابنه
الشيخ علي بن محمد المنذري الذي ألف في التوحيد. كتابا سماه (نور التوحيد).
وأيضا الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي، والشيخ سالم بن عديم البهلاني،
وابنه (أبو مسلم) الذي قدم من عمان في 1295هـ.
ومن بين المؤلفين العمانيين الذين ولدوا في شرق افريقيا الشيخ علي بن عبدالله
المزروعي، وابنه (الأمين) والأخير صاحب كتاب "هداية الاطفال" ومؤسس صحيفة الاصلاح
ومن بينهم – كما ذكرنا سلفا أيضا – الشيخ علي بن خميس البرواني (1852- 1889)،
والشيخ العلامة سالم بن سعيد الشعبي صاحب كتاب (أسمى المقالب والمبهمات / والشيخ
سليمان بن محمد العلوي صاحب شرح (الأجرومية) للصنهاجي وكذلك الشيخ عبدالله بن محمد
الكندي، وعبدالله بن صالح الفارسي الذي كان قاضي قضاة كينيا، وصاحب الكتاب المسمى
بـ "البوسعيديون حكام زنجبار" (24) ناهيك عن الشيخ سعيد بن علي المغيري، والأمين
المزروعي واللذين سيرد تفاصيل ذكرهما لاحقا.
5- اعطاء المرأة دورها الاجتماعي والحضاري توافقا مع انصاف الاسلام لها، ومحاولة
الأخذ بيدها لتخرج من دياجير الجهل الى آفاق النور والحضارة، فلقد نادت الصحف
الزنجبارية بتلك الاطروحات الحضارية في سياق مساعيها لخدمة المجتمع، وتأصيل كثير من
النظرات السامية التي تحاول أن تخدم المرأة، خدمة حضارية، لأنها أساس المجتمع،
وعموده الأول الذي بسقوطه تتهاوى كل الأركان. فها هي جريدة (الفلق) تستمد دور
المرأة في المجتمع كما برهنه لها الاسلام الحنيف في عقيدته السمحاء، فتدعو الى
تعليمها وتثقيفها، وذلك من خلال مقالة بعنوان "التعليم والمرأة" والذي نشر في 9/ 5/
1939 تقول الفلق:
"…. فعلموا المرأة قبل كل شيء دين الاسلام. دين الحياء والعفاف والأمانة
والشجاعة، وكل خلق كريم لتغرس ذلك في نفوس ابنائها لينشأوا على الفضيلة بعيدين عن
كل خلق ذميم" (25).
6- العناية باللفة العربية، تعليما، وتثقيفا ودرسا، وتطبيقا في مجالات الحياة
المختلفة الرسمية منها وغير الرسمية، فكما هو معروف أن اللفة العربية كانت لفة
الحياة في كافة مظاهرها استنادا لسلطة الدور العماني وهيمنته الحضارية بعالم
افريقيا الشرقية ومدنها وقراها بدءا من مقديشيو شمالا الى مشارف موزامبيق جنوبا ومن
مملكة أوغندا غربا الى أعال نهر الكونغو شرقا. وكانت تلك الهيمنة نابهة من جهود
العمانيين السياسية التي صاحبتها عناية كبيرة بنشر اللغة العربية عن طريق نشر الدين
الاسلامي أولا، ثم إقامة المراكز التجارية ثانيا، وقد ساعدت اللغة العربية بسهولة
مصطلحاتها وسلاسة نطقها على ذلك الانتشار، ناهيك عن أنها لغة القرآن الكريم،
وضرورية للعبادات وأداء الصلوات وقراءة القرآن وتفسيره ومعرفة السنة النبوية
الشريفة. الأمر الذي جعل الناس يقبلون على تعلمها والتحدث بها من منطلق عوامل أخرى
كا لاختلاط بالعرب والتزاوج منهم مما أدى الى سرعة هذا الانتشار وفقا لخاصيتي
التأثير والتأثر على الطرف الأخر. إذ لا مناص من تأثير العمانيين أنفسهم باللفة
السواحلية التي أتقنوها أيضا بل أسرفوا في اتقانها، الأمر الذي أدى الى ردة فعل
معاكسة تجاه لفتهم الأم. وتلك ضريبة دفعها العمانيون من جراء تلك الهيمنة على
الصعيد الحضاري في بعده العام لا الخاص. وكانت نسبية على كل حال.
فاحتفاظ كثير من العمانيين بلفتهم كانت السمة الأغلب دائما، ومن جهة أخرى فإن
التقاء اللغة العربية باللغة السواحلية في شرق افريقيا أحدث ألوانا عديدة من التأثر
في كلتا اللفتين، بدءا من وجود الكلمات العربية في اللغة السواحلية، كتابة ونطقا،
مما جعلها تكتسب مكانة هامة في القارة الافريقية.
هكذا كان ميدان الصحافة ميدانا حيويا هاما لعب دورا رياديا في النهضة الفكرية
والثقافية التي أسهم بها أبناء عمان في شرق افريقيا. و لقد قامت هذه الصحف مجتمعة
بدور أكبر وأشمل في نشر اللغة العربية والثقافة الاسلامية وهما عماد التنوير
الحضاري في هذه الديار، وذلك بشكل واسع، أسهم به عدد كبير من العلماء والأدبا،
والشعراء والمثقفين ضمن خطة طموحة، وغايات جسام تجسد في أهداف تلك الصحف (وذلك
التنوير) إذا صح التعبير. فتلك الأهداف، تنويرية المبنى والمعنى في جوهرها العميق
المتجذر وفي معناها الأعم والأشمل.
بقي أن نشير الى أن عدد الصحف والجرائد بلغ عددها أكثر من عشر صحف وجرائد، نذكر
تواريخ صدورها على النحو التالي. "النجاح 1911م، "الجريدة الرسمية (ملحق الجازيت)
والفلق 1929، والاصلاح 1972م، و(النهضة) 1949م، والمرشد 1954م، و(الأمة) 1958م.
ان هذه الصحف هي موضوع بحثنا ضمن محور التنوير ومكوناته مستقبلا، غير أن تركيزنا
سوف يكون على أعداد محدودة بعامي 1938م و1939م من صحيفة "الفلق" نظرا لعدم توفر
أعداد أخرى من تلك الجرائد والمجلات واتخاذ ذلك العدد المحدد نموذجا لمعالجة ظاهرة
التنوير في حدودها الضيقة كجزئية نموذجية تفرضها طبيعة المنهج التحليلي لا التاريخي
لدراسة كهذه.
صحيفة الفلق، وآفاق الرؤية والرؤيا
1- الفلق وآفاق الرؤية
تعد صحيفة الفلق أبرز الصحف وأهمها التي صدرت في زنجبار، منبثقة من نشاط الجمعية
العربية التي ما فتيء أعضاؤها أن يقترحوا في لقائهم المنعقد في السادس من يوليو
1926م انشاء صحيفة عربية تجمع شتات أفكار الجاليات العربية في زنجبار، وتحدد
مواقفهم تجاه الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي (القائم) هناك، وتربط من جهة أخرى
كافة العرب والعمانيين المتواجدين في كافة المناطق الافريقية بعضهم ببعض، بل أيضا
بأوطانهم، وخاصة "عمان" الأم التي بعدت مسافتها جغرافيا وسياسيا، بحكم انفصالها
ككيان سياسي عن سلطنة زنجبار، كما يشير التاريخ القريب. وأكثر من ذلك كان هدف هذه
الجمعية من اصدار صحيفتها هذه هي إبراز نشاطها الثقافي والأدبي والاجتماعي والزراعي
وتجسيده أمام الرأي العام العربي والشعبي هناك، خاصة وأنها تصدر في مركز السلطة
الحاكمة في "زنجبار" و "الجزيرة الخضراء"، وغيرهما من مدن وبقاع افريقيا
الشرقية.
لقد تحولت تلك الرؤية الى رؤيا وذلك الهدف الى غاية تحققت، ففي عام 1929 صدرت
"الفلق" وسط تطلعات أعضاء الجمعية العربية الحالمة بالتنوير، تذكيها في ذلك همسة
مشرقة ونور يتبدى ولو من بعيد نحو التعبير الحر، بعد أن ضاقت كلمتهم واختنقت
أصداؤها على امتداد بعيد من التاريخ الحديث، تدفعهم في ذلك تجربتهم الحرة الجريئة
في انتخاب أعضاء جمعيتهم ابان تأسيسها الأول عام 1926 (26) والتي كشف الانتخاب في
حد ذاته نفحة من الديمقراطية غير يسيرة أيضا. فكانت توجهات الاصلاح والتنوير
الحضاري خطتهم المثلى في هذا الصرح الثقافي الذي بنوه بعقلية وثابة وطموحات
عظام.
صدرت "الفلق" كجريدة ثقافية عامة (سياسية، أدبية اجتماعية، اقتصادية، علمية،
زراعية)، وأريد لها أن تتوالى كل سبت من كل أسبوع: واستمرت على هذا الحال متدفقة في
عطائها منتظمة في ميقاتها الى أن جاء عام 1956م، حيث توقفت عن الصدور بهذا الشكل
الأسبوعي، وأصبحت تصدر كل أسبوعين متعاقبة بين يومي السبت والأربعاء، وذلك حتى
نهاية شهر ديسمبر من عام 1993م، إذ توقفت بعد ذلك الى الأبد بتوقف نشاط الجمعية
العربية ومعها كل كيان الدولة العربية العمانية، اثر الأحداث الداعية التي شهدتها
زنجبار وافريقيا الشرقية، واستهدفت تصفية الوجود العربي (العماني) هناك (27).
جاءت جريدة "الفلق" كلسان حال الجمعية العربية، ومنبر ثقافة وأدب، ووثيقة شاهد
عيان لمجريات التاريخ، حيث كانت أحداثه ساخنة، ترسم فواصل كبرى فيه سواء للعمانيين
في وطنهم "عمان" أو في كافة مهاجرهم. ولهذا لاريب أن تكون هذه الجريدة وغيرها جامعة
لأخبارهم، مسجلة لطموحاتهم وآمالهم، اضافة الى توجهاتها الكبرى نحو الاصلاح
والتنوير، تدفعها في ذلك مرجعيات تاريخية أصيلة. منبثقة من تاريخ عمان وحضارتها
التليدة، حيث وجود العمانيين في مكان صدورها (زنجبار) وفي بعده الحضاري يشكل في حد
ذاته ضربا من ضروب ذلك الاصلاح والتنوير في مفهومه العام لا الخاص والسياسي لا
الأيديولوجي.
إن تلك التوجهات التنويرية هي عصارة فكرية للقائمين عليها، والمشرفين على
تحريرها وإصدارها (أعضاء الجمعية العربية والذين يأتي في مقدمتهم كل من: الشيخ /
ناصر بن سليمان اللمكي، والشيخ /هاشل بن راشد المسكري، والشيخ /محمد بن هلال
البرواني، والشيخ / سالم بن محمد الرواحي، والشيخ / سعيد بن عبدالله الخروصي،
والشيخ لم عبد ائو بن سليمان الحارثي.
2- افلق وآفاق الرؤيا:
هذه "الفلق" رؤية وأهداف طموحة وغايات، ويمكننا الآن أن نقف على مكونات التنوير
فيها، لكننا قبل ذلك لابد أن نشير الى (الفلق) متجسدة في آفاق الرؤية الشكلية
والموضوعية وذلك في النقاط التالية:
1- صدرت جريدة الفلق في الحجم النصفي (التابليود) في أربع صفحات جميعها باللغة
العربية، ثم زيد عدد صفحاتها الى ست صفحات ثم الى ثماني صفحات بعد أن رأى محرروها
أهمية مخاطبة العنصر غير العربي (الانجليز والهنود وبعض الأفارقة..) فصدرت باللغتين
العربية في أربع صفحات، وباللغة الانجليزية في أربع أخرى.
2- تستفتح جريدة الفلق صفحتها الأولى بأية قرآنية عادة تكتب في أعلى الصفحة من
مثل قوله تعالى "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق" كدليل على استيحاء دلالة الاسم
الذي تبنته، كما أنها أحيانا تعني بإبراز حكمة دالة أو قول مأثور تبعا، وسيادة
الحدث الموضوعي المطبق عليها بسطوته أو الماثل أمام كيان السلطة أو الشائع في ألسنة
الناس والمجتمع وتبرز ذلك في عمود خاص، ولذلك كثيرا ما تقع عينا القاريء على عبارات
تدل على الحكمة من مثل (28): "من طال عدوانه زال سلطانه" و "عند الطعان يبان الفارس
الجبان" و "لا تحتقر من دونك، ولا تتملق لمن فوقك". وعادة ما تكشف هذه الحكم
والأقوال المأثورة عن عناية في الاختيار، وهي كثيرا ما كمح، بل وتصنع اسقاطات
مباشرة على الواقع بغية نقده وتحريره من سطوة كيانه الجامدة.
3- تقسم المواضيع في الجريدة تبعا لأهميتها بالنسبة لتوجهات المحررين، فهي تبدأ
عادة بالموضوعات السياسية كالأخبار، والأحداث الساخنة، خاصة أنها عاصرت حربين
عالميتين، وتقلبات عسكرية عديدة آنذاك، إضافة الى تسجيل وقائع الأحداث السياسية
الخاصة بسلاطين البلاد آنذاك، فهي لسان حال جمعية تنتمي قلبا وقالبا لأطروحات وآراء
سلاطين البلاد وحكامها ومن ذلك فهي تقف مليا (في صفحتها الأولى) على هذه الأحداث
محللة إياها مبرزة وجهة نظر رسمية إزاءها تتخذ من الاطراء منهجا ومن المديح أسلوبا.
وأيضا تقوم أحيانا بنشر المراسيم السلطانية والبيانات الحكومية وتتحقق من أخبار
العرب وقضاياهم في افريقيا – خلال عنايتها الفائقة بتتبع مجريات الحياة ووقائعها.
كما أنها تعني بنقل أخبار السلاطين الخاصة أو أخبار حفلاتهم وتنقلاتهم سواء داخل
البلاد أو خارجها. مشيدة بإنجازاتهم الحضارية محتفية بافتتاح مشاريعهم التنموية
هناك.
وإذا جئنا الى الصفحة الثانية، فهي عادة للتحقيقات والموضوعات الموسعة،
والتحليلات التي تبين مواقف "الفلق" تجاه مجمل القضايا العالمية والعربية، لهذا
تكثر فيها النداءات والبيانات المستوحاة من مواقف المحررين السياسية الخاصة. وأيضا
المستوحاة من مواقف الصحف العربية المشابهة التي تنقل منها "الفلق" الأخبار كجريدة
"الأهرام"، و "الفتح" و "الأمة" و "الحكمة" و "العمل القومي" و "الكفاح" و
"الجزيرة" و "الروح" الجزائرية وغيرها.
أما الصفحة الثالثة فتقدم فيها المقالات الثقافية والأدبية سواء تلك التي يكتبها
المحررون أنفسهم، أو المراسلون أو المثقفون العرب الذين استقطبتهم الجريدة أو نقلت
مواضيعهم من جرائد وصحف عربية سانحة، أمثال محب الدين الخطيب، ومحمد لطفي جمعة
وغيرهما، وتقدم في هذه الصفحة أيضا نصوصا شعرية لشعراء عمانيين يقطنون شرقي افريقيا
أو حتى من عمان نفسها، بل وحتى شعراء عرب آخرين ممن ينتمون الى الجمعية العربية
وخاصة الحضارمة اليمنيين والصوماليين والقمريين، وغيرهم.
والصفحة الرابعة الأخيرة ففيها التتمات الأخبارية والتهاني والتعازي، والأخبار
القصيرة والنوادر والطرائف والحكايات التي تروي ماضيا وحاضرا، وأيضا الأخبار
الاجتماعية من زواج وغيره، إضافة الى أخبار أعضاء الجمعية العرب أنفسهم، وتتبع حالة
اقامتهم ومغادرتهم من والى زنجبار أو الجزيرة الخضراء، ورصد تنقلاتهم، وما يلم
بحالهم من وفيات، ومتاعب نتيجة للأسفار البعيدة التي يقومون بها. وعمان (الأم)
حاضرة في هذه الأخبار القصيرة حضورا كبيرا، سواء من خلال رصد هجرات أهلها الى
الجزيرة وكافة أوضاع افريقيا أو حتى بيان حالتهم وكثير من المناسبات الاجتماعية
كمراسم الزواج والمناسبات الدينية كحفل قرا؟ة المولد النبوي الشريف والتي كانوا
يعنون بها في مهجرهم كجزء من طقوسهم الدينية.
بقي أن نشير الى أن هذه الجريدة في توجهها الفني لا الموضوعي، عرفت الدعاية
والاعلان فاحتفت به في صفحتها الأخيرة، كتوجه يوقظ حالتها المادية الدافعة لها
بالصدور والاستمرار، وكي تقوم بعامل مساعد يدفع بها نحو تقدمها الفني والموضوعي.
وتوثق الجريدة في هذا الصدد تواريخ بداية السلع والأدوية التجارية، وتقدم صورة
بانورامية جميلة تؤكد تطور هذه السلع التجارية وكيفية تعامل الانسان معها في بدايات
ظهورها.
إن هذا التوجه يدل في بعده الأكبر على مدى تفاعل المجتمع مع الجريدة، ويؤكد
مصداقية وجودها كلسان حاله، مما يؤهلها بأن تلعب دورا تنويريا إصلاحيا على المستوى
الاجتماعي الفعلي، عندما يقبل المجتمع على الدواء المصنع علاجا للأمراض لا على
التمائم والرقي السائدة في المجتمع العربي آنذاك، وهذا على سبيل المثال لا
الحصر.
اضطلعت الجريدة بكل ذلك لا لتخلق صورة تقليدية وترسخها كما كانت الحالة من قبل،
بل لتنتشلها من أعماقها السحيقة لها. وهذا هو شأن التنوير في أدق معانيه المحسوسة
دوما.
صحيفة الفلق ومكونات التنوير:
يمكن أن نسجل لجريدة "الفلق" ومحرريها عدة امتيازات تدخل ضمنا في حيز التنوير،
رغم أن الجريدة لا يوجد فيها نقد ذريع للواقع، أو الخلاص من جموده، ولا مجابهة لأشد
معضلاته، وانما يوجد فيها جملة من التصورات والأفكار، والاجتهادات ذات الصيغة
التنويرية التي أفاد أصحابها من دعوات المصلحين العرب الذين تعتلي ء بهم الذاكرة
العربية في سياقها التراثي الخاص أمثال: محمد رشيد رضا، ومحمد عبده، وجمال الدين
الأفغاني، بل وحتى نور الدين السالمي وسيد بن خلفان الخليلي، وأبي مسلم الرواحي.
على الصعيد العماني، فالجريدة تستوحي مكونات هذا التراث، وتحاول أن تقدم خلاصته وفق
ظروفها المحيطة سياسيا حيث توجيهات الجمعية العربية الرسمية، وثقافيا. حيث صدورها
في مجتمع مختلط بأجناس متعددة وثقافات مختلفة، ولغات متنوعة.
لهذا فهي تطمح بأن تكون مزيجا من ذلك التنوع، وهو تنوع خلاق له رونقه الجميل
أيضا. أدى في نهاية الأمر بالجريدة الى أن تقدم لقرائها سلسلة من الأفكار الداعية
الى التنوير، والاصلاح الحضاريين وسط حالات الجهل والتخلف والتشتت والتبعثر الذي
خلفته الأوضاع السياسية – كما أشرنا. مما حدا بالجريدة الى أن تنادي بما نادى به
المصلحون التنويريون قبلها. من دعوات الى العلم الحديث (29) وفتح المدارس، وتعليم
المرأة والإصلاح الزراعي، واقامة الجمعيات والنوادي الثقافية، وشق الطرق وتعبيدها
وبناء المستشفيات، وأكثر من ذلك التمسك بالقيم الإسلامية، والمحافظة على اللغة
العربية، خاصة وأن كل ذلك البناء الحضاري يجري في أرض بعيدة عن معطيات العروبة:
لغة، ونهجا وسلوكا وعادات وتقاليد هي متأصلة في أرضها وبين أبنائها (الافارقة).
الذين تحاول الجريدة استمالتهم نحوها – قدر الإمكان – فهل تحقق لها كل ذلك؟
لقد رسمت جريدة الفلق كل تلك الأهداف التنويرية، وسعت الى تحقيقها بما أوتيت من
إمكانات محدودة، وبما تهيأ لها من هيئة محررة لعبت دورا كبيرا في هذا الجانب مكونة
في نهاية الأمر نماذج للمثقف التنويري – الذي قام بواجبه في حدود ذلك الزمن وتلك
الامكانات، فليس باستطاعتنا أن نطالبه بأكثر مما قدم "فالنقد الحقيقي للمؤسسات
والخطابات لا يتمثل في محاكمتها وإنما في تمييزها وفصل بعضها عن بعض.." على حد قول
رولاند بارت.
إذن قدمت "الفلق" نموذجا للمثقف التنويري" عبر كافة أطروحاتها، سواء تلك التي
قدمها أبرز محرريها من مثل: الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي، أو الشيخ محمد بن هلال
البرواني أو الشيخ هاشل بن راشد المسكري،… أو حتى أبرز كتابها من مثل: علي بن محمد
الجمالي أو محب الدين الخطيب أو محمد لطفي جمعة.. وهذا في حد ذاته مثل نموذجا حيويا
لانبناء جوهر الانقسام في الوعي، وتعبر مصائره عن الامكانات غير المحدودة التي
تهبها التجربة الفردية في المثاقفة، وتوظيف العقل والنضال من أجل التقدم الاجتماعي
والثقافي على حد سواء.
جريدة الفلق والاحتفاء بالخطاب الثقافي التنويري:
أولا: المظاهر والمتجليات:
لعل أهم ما ترتكز عليه مكونات التنوير في جريدة الفلق هو احتفاؤها بالخطاب
الثقافي في كافة أشكاله، غير أن هذا الاحتفاء بات من الواضح عليه أنه خاضع لقوة
مركزية تحدد اتجاهه وتغذيه إنها سلطة الجمعية العربية وسطوتها اللامتناهية، ومثال
هذه السطوة موجود في مشات الصحف التي تخضع لأيديولوجيا النظام المؤسس لها مما
يبعدها أحايين كثيرة عن مظهر التنوير في بعده السيامي على الأقل. ومثال جريدة الفلق
هذا لا ينفصل عن مشات الأمثلة التي يرتكز خطابها على قوة مهيمنة تقوم بدور المرسل،
وكل صحيفة في هذا السياق مهيمن عليها بمركز يحدد هوية خطابها (منذ أقدم ما نعرفه من
الصحافة العربية وحتى أحدثها)، إذ لن تجد صحيفة مستقلة حتى في ظل ما يسمى بالأنظمة
الديمقراطية الحرة، لأنها مرتهنة دوما باستراتيجية خطابية موصولة بشبكة من العلاقات
والمصالح التي تحددها أيديولوجيا نظام التأسيس.
وفي ظل هذه الفكرة الملحة نحاول إثبات أبرز مظاهر التنوير في خطاب "الفلق"
الثقافي من خلال بيان دور المثقف التنويري في نشأنه وبلورته وربطه بمركز خطابي آخر
يتجل في صياغة تشكيلات خطابية جديدة ومنتجة على مستوى خارطة التفكير وتخوم عمل
العقل والوعي المتواطئين مع الانسياق الموضوعي نحو تكوين المجتمع الحديث. وهو مركز
إن لم يكن موازيا للخطاب السياسي فهو مواز دون أي شك للخطاب الأدبي في كافة فنونه،
وبالأخص الشعر.
المظهر الأول:
أ- الخطاب الأدبي:
1- الاحتفاء بالتجارب الشعرية
إن من جملة احتفاءات جريدة الفلق بالخطاب الثقافي الأدبي احتفاؤها بالتجارب
الشعرية وهنا نقف في اعداد عام 1978 فقط على عدد (25) قصيدة نشرتها الجريدة لشعراء
أمثال: عمر بن أحمد السميط، وصالح بن علي الخلاسي وأبي الفضل عبدالله بن صالح
الفارسي، وعبدالله بن أحمد وسعيد بن راشد الغيثي. غير أن اللافت للنظر هو أن
الجريدة تقدم هذه النماذج الشعرية بنبرة قوية من الترحيب والاحتفاء: من مثل عبارات
(الشاعر البليغ أبي الفضل أو الشاعر البليغ صاحب الفضيلة، أو هذه القصيدة الفراء.
وغير ذلك) ويمكن للقاريء أن يجد في تلك القصائد روحا شعرية شفافة ونقتطف هنا مقطعا
من قصيدة الشاعر سعيد بن راشد الغيثي وقد قدمت له الجريدة بالمقدمة التالية:
"هذه القصيدة من قول الشيخ سعيد بن راشد الغيثي في رحلة "ورورا" من الديار
السواحلية يقول الشاعر:
غدوك في المهامة أي سر
لاجلاء الأسى من كل صدور
تصافحك الصبا من كل فج
بأفنان الزهور شميم عطر
إذا أرج النسيم أتاك نهرا
نقيت من الهموم ولست تدري
وللأطيار ألحان تسلي
شبيه العود في نغمات وتر (30)
2-الاحتفاء بالتجارب النثرية:
ولم يقتصر ذلك الاحتفاء الأدبي على الجانب الشعري فحسب، بل سجلت جريدة الفلق
احتفاء بالأجناس الأدبية الأخرى من مثل المقالة الأدبية والتاريخية والاجتماعية،
وقد أحصينا في اعداد عام 38، 1939 فقط حوالي 79 مقالة.
وكذلك احتفاء بكتاب الرواية الواعدين، وهنا نقع على فصول من رواية نشرتها
الجريدة لكاتب شاب معنونة بـ "الأحلام" وذلك بغرض تشجيع الطاقات والمواهب الأدبية
الصاعدة وقد قدمت لها الجريدة بالمقدمة التالية:
"الفلق": أقدم البوم على صفحات هذه الجريدة رواية صغيرة ذات أثنى عشر فصلا ألفها
شاب لم يتجاوز 15 عاما وما كنت لأقدم هذه الرواية على صفحات هذه الجريدة لقرائنا
الكرام، لولا أنني أعجبت بها عند قراءتها، وعار أنها من تأليف شاب عربي زنجباري
تخرج في مدارس مصر.."
والجدير بالذكر أن هذه الجريدة نشرت "رواية الأحلام" على مدى ستة أعداد دون أن
تشير الى اسم كاتبها مكتفية بالتعليق عليها "بأن أفكارها ناضجة راقية ولغتها قوية..
وأن صاحبها منح جائزة كتاب النظرات للمنفلوطي.. وهى إن لم تخل من بعض الأخطاء عند
المتبحرين فهي عندي مفخرة لا مثيل لها" (31) والواضح في هذا التقديم اذن احتفاء
الجريدة بهذه الرواية يأتي من باب تشجيع المواهب الصاعدة وفتح الباب لهم للنمو
والاطراد والا كيف تنشر لشاب لا يتجاوز عمره (الخمسة عشر عاما) وبدون ذكر اسمه؟
كما أن عدم ذكر اسم المؤلف والاكتفاء بالترميز له "بشاب عربي زنجباري" يأتي ضمن
نفس الاطار التكويني المتخفي الذي بدت عليه الرواية العربية في بواكيرها الأولى،
حينما نشر الكاتب محمد حسين هيكل روايته "زينب" كأول رواية عربية، ووقعها حينئذ
باسم "مصري فلاح".
ونظرا لتوحد طبيعة الموضوع الاجتماعي، والظرف الواقعي للحياة العربية، فإن
الروايتين تأخذان نفس التوجه نحو نقد المحيط الاجتماعي فيما يكتنفه من رواسب التخلف
في كثير من العادات والتقاليد الاجتماعية ومحاولة صياغته صياغة تنويرية حضارية
وبخاصة نحو تلك النظرة الخاطئة ازاء علاقة المرأة بالرجل وما يصاحبها من اطر حضارية
جديدة تفرضها طبيعة الحياة الحديثة.
المظهر الثاني
الاحتفاء بالخطاب الثقافي العام
أما عن الاحتفاء بالخطاب الثقافي في بعده العام، فنجد الجريدة تمتليء بالمقالات
الاجتماعية والدينية والتاريخية، والفكرية، وقد أحصينا في عامي 37-1939 عدد (21
مقالا) تشكل ما نسبته 98% من مجموع مقالات التنوير ويغلب على مثل هذه المقالات
الطول، والاستطراد بحيث أن الجريدة تنشرها في صفحة كاملة، أو تجزئها على سلسلة
متصلة من الحلقات. كما أن كتاب هذه المقالات هم من أعضاء الجمعية العربية أنفسهم
أمثال الشيخ هاشل بن راشد المسكري أو علي بن محمد الجمالي أو الشيخ محمد بن هلال
البرواني أو السيد حافظ بن محمد، وتلجأ الجريدة أحيانا الى نقل مثل هذه المقالات من
الجرائد العربية الأخرى التي تشكل مصدرا اخباريا لها. وبخاصة جريدتي (الفتح)
و(الأهرام)، أو أنها تحاول استقطاب أقلام المثقفين العرب الكبار في تلك الفترة،
ونحن نقع في هذا الجانب على مقالات ثقافية عامة لمحب الدين الخطيب ومحمد لطفي جمعة،
وغيرهما.
كما أن الجريدة أحيانا تعني بنشر المحاضرات الثقافية من مثل محاضرة رودلف رويني
عن (آل سعيد)، والخطب من أمثال: خطبة الشيخ سعيد بن علي بن جمعة المغيري (32) في
الجمعية العربية وخطبته بمناسبة افتتاح "مدرسة ويته" بالجزيرة الخضراء في 6 يناير
1942 والذي قاله فيها "باسم الحكومة، وباسم مدير المعارف، وباسم التلاميذ
والمتعلمين افتتح هذه المدرسة في هذا اليوم وهي وحيدة من نوعها بهذه الجزيرة والله
سبحانه ندعو أن يبارك فيها للوطن وأبنائه فتخرج لنا من طلابها أمة راقية ترفع هذا
الوطن وابناءه وترشدهم بنور العلم الى ما هو خير الدارين.. آمين".
ثانيا: العوامل والمؤثرات
هذا هو مجمل الاحتفاءات بالخطاب الثقافي والتنويري في كافة أبعاده السياسية
الوطنية والعربية والعالمية، والأدبية والثقافية العامة وتكشف قرا؟ة ذلك الخطاب عن
وجود محاور عديدة تتدرج خلالها هيمنة قوته وسيادة سطوته بسبب عاملين أساسيين
لمسناهما بوضوح ونحن نستقري؟ سلسلة تلك الخطابات المكثفة.
الأول: تأثير شخصيات أعضاء الجمعية العربية التي تصدر الجريدة بما في ذلك رؤساء
التحرير (اللمكي – المسكري، والبرواني) سواء بغرض ايديولوجية توجيه الخطاب وتوجها،
وقد رأينا أن الجريدة أحيانا ترد على مثل تلك التهم، والنقد الذريع الذي توجهه
للواقع، كما هو الحال في مقال وظائف الحكومة: "زهق الباطل" ومقال آخر بعنوان "جمعية
مزارعي القرنفل" إذ تنهى الجريدة في مقالها الطويل ذلك بالفقرة التالية: " يا أيها
العرب ويا أيها المزارعون أزيلوا عن عيونكم القذى وتمسكوا بهذه الجمعية. إننا لم
نخلق لنكون تحت مشيئة الفئة المتاجرة، فلنا رغبات فمن أراد العيش بيننا فليعش وإلا
فلتصحبه السلامة.." (33).
والعامل الثاني: تأثير المجتمع الذي يتفاعل مع الصحافة بوصفها خطابا ثقافيا يضع
حرية الرأي في مصاف الأولويات وأبعد تأثيرات هذا العامل يتمثل في زيادة الاقبال على
الكتابة في الموضوعات الاصلاحية، إما عن طريق النشر المباشر أو حتى بتواقيع
مستعارة، والجريدة تمتليء بتلك التوقيعات من مثل "أبي صالح" و "لندني" و "عماني" و
"عربي منصف" و "مسقطي" و "افلاطون" في عموده الشهير "مناظرات".
ولقد شكلت لي تلك التوقيعات المستعارة مشكلة أجلت من خلالها الحكم على كثير من
تلك المقالات المهمة التي تتناول موضوعات وطنية وثقافية ذات حيوية قصوى. ولعل
القراء آنذاك ومعاصري الجريدة يعرفون من وراءها خاصة وأن الذين عاصروا الشخصيات
المهمة في الجمعية العربية يجزمون توجهاتهم، لكن رغم ذلك تقف محاذير كثيرة دون
الأخذ المطلق بمسلمات تأكيد آرائهم حول من يقف وراء تلك المقالات، وأظن أن ظروف
الفترة السياسية، وضغوط الحرب، أملت حساباتها ووجهت طاقاتها نحو المسكوت عنه من
التناقض والصراع في الخطاب الثقافي العام.
أنماط الخطاب الثقافي:
وفي ضوء ذلك الاحتفاء بالخطاب الثقافي التنويري، يمكن الوقوف على نوعين من
المقالات قدمت بهما "الفلق" موضوعها الاصلاحي:
الأول: مقالات يطغى عليها خطاب النقد والاختلاف والحوار،وتكثر في المواضيع
السياسية الوطنية. وتنصب استراتيجيتها حول الاختلاف في قضايا ومشكلات تهم الواقع
ويصل عدد مقالات هذا الخطاب حوالي 35 مقالا في أعداد عامي 37، 1938م. أي بنسبة 76%
من مجموع ما نشر في مقالات الخطاب الثقافي السياسي بفروعه الثلاثة: الوطني والقومي
والعالمي. وهذه النسبة عالية مقارنة بأقرانها من النسب في المقالات الأخرى، مما
يعني أن جريدة الفلق قد وضعت دعوتها الاصلاحية التنويرية موضع التنفيذ مستندة في
ذلك مملى تلمس شفرات الواقع، واكتشاف مظاهر جموده.
الثاني: مقالات يسيطر عليها خطاب العرض والشرح والتحليل وتكثر في المواضيع
الثقافية العامة، وبخاصة الاجتماعية والفكرية والتاريخية، ويصل عدد هذه المقالات
حوالي 2د مقالا في أعداد عامي 37، 1938م، أي بنسبة 92% من مجموع ما نشر في مقالات
الخطاب التنويري الثقافي، ويغلب على هذه المقالات توجهها العام من مثل: "الخطابة" و
"المرأة في الاسلام" و "الانسانية وضرورة الرأفة" و "المال والأبناء" وفي هذه
المقالات يمكن أن نكتشف العثرات الأولى في تكوين المقال وفي تشكيل مفهومه السائد:
بأنه مجرد عرض وتفسير ونقل مباشر بدلا من أن يكون صياغة جديدة لفكرة أو قضية أو غير
ذلك.
هذه هي صحيفة "الفلق" في جميع أطروحاتها التنويرية على كافة المستويات، تعتبر
منبرا لصحافة قوية حرة وساحة يتبارى فيها الكتاب السياسيون والمفكرون والصحفيون،
واتسممت مقالاتها بالصراحة والفقد اللاذع للواقع، يذكيها في ذلك سعة انتشارها،
فنجدها تصل الى أيدي أغلب العمانيين والعرب المقيمين في شرق افريقيا، كما كانت تصل
الى العمانيين في مهاجرهم الأخرى في مصر والسعودية وسوريا والكويت والبحرين والهند،
اضافة الى عمان نفسها.
الملاحق
المراجع والهوامش التوضيحية
1- يتجلى مثال ذلك التأليف التاريخي: فيما قدمه العمانيون. من كتب تاريخية كثيرة
أمثال: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان "لنور الدين السالمي" و "نهضة الأعيان بحرية
أهل عمان" و "عمان تاريخ يتكلم" لمحمد بن عبدالله السالمي. و "جهينة الأخبار في
تاريخ زنجبار" للشيخ سعيد بن علي المغيري. و "تاريخ أهل عمان" للشيخ سالم بن حمود
السيابي و "الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين" لحميد بن رزيق.. وغيرها.
2- تتمثل المنظومات الوثائقية في أقدم نص تاريخي مطبوع، ويعود الى القرن الحادي
عشر الهجري، وهو النص الذي كتبه عبدالله بن خلفان بن قيصر حول سيرة الامام ناصر بن
مرشد اول أئمة اليعاربة، وكان المؤلف من معاصري دولة اليعاربة.
3- أقصد بالمهجر الشرقي (الافريقي): المهجر الذي اتجهت اليه أفواج العمانيين
بدءا من القرن الرابع الهجري، وذلك الى زنجبار وكينيا والكونغو وتنجانيقا والجزيرة
الخضراء وموزامبيق. غير أن أول هجرة عرفها العمانيون هي هجرة سليمان وجيفر حفيدي
الجلندي بن المستكبر بعدما دارت الحروب الطاحنة ما بينهما وبين الحجاج بن يوسف،
وهجرتهما الى شرق افريقيا دون سائر بلدان العالم تدل دلالة واضحة على أن العلاقات
بين العمانيين وبين افريقيا الشرقية علاقات قديمة وأن للعمانيين وجودا هناك والا
فما الذي كان يدعوهما الى ترك أرض فارس وأرض الهند، وارض الصين وغيرها من بلاد
العالم والذهاب الى شرق افريقيا لولا أن للعمانيين وجودا هنالك؟ ويؤكد مصداقية تلك
العلاقة اكتشاف أقدم مسجد في جزيرة (بمبا) أو (الجزيرة الخضراء) ويعود الى القرن
الأول ومن المؤكد أن هذين الرجلين قد بنياه وذلك دليل واضح على قدم تلك الهجرات
(انظر تفصيلات ذلك في: بحث لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة:
بعنوان العمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية بشرق افريقيا، حصاد المنتدى
الأدبي لعـام 1993م، ص 178 وما بعدها).
وبعد تلك الهجرات الأولى، تدفقت الهجرات وازدادت تبعا للظروف التاريخية
والحضارية وكانت أكثر هجرات العمانيين تكثيفا الى شرق افريقيا في عهد الدولة
الأموية وهي هجرات كانت بغرض التجارة، إذ ساعدت على وجودها الرياح الموسمية التي
تدفع السفن في فصل الخريف في اتجاه الجنوب الغربي فتصل في سهولة ويسر الى سواحل
افريقيا الشرقية ثم تعود في فصل الربيع متجهة الى الشمال الشرقي فتصل بها الى "بر
العرب" قادمة من "بر الزنج" وهو اسم من أسماء (زنجبار).
ولقد لفتت هذه الهجرات العمانية نظر الدولة الأموية الى الأهمية الاستراتيجية
لهذه البلاد (افريقيا ودفعهم الى الاهتمام بها وارسال وفود اليها مروجين لها
ولحكامها وبخاصة عبدالملك بن مروان، وكانت هذه الالتفاتة موازية لالتفاتة أخرى
للدولة العباسية التي أتت بعدها فقد شجع هارون الرشيد موجات المهاجرين الى هذه
البقاع، وأخذت سفنهم تغزوها، مما خلد ذكرها التراث العربي وخاصة القصصي منه.
ولقد شكل هذا التنافس العربي على شرقي افريقيا ضربا من ضروب الترسيخ للوجود
العربي/ الاسلامي هناك والذي تم عن طريق تتابع الهجرات العمانية اليها سواء بصورة
فردية أو جماعية. وبخاصة في القرن الرابع الهجري إذ تمت فيه هجرات مكثفة للعمانيين،
وبخاصة قبائل الحرث (انظر مزيدا عن ذلك في هجرات الحرث الى أواسط القارة الافريقية،
"محاضرة كوليث جراد ميزون، سلسلة تراثنا، وزارة التراث القومي والثقافة – العدد (
66).
واستمرت تلك الهجرات متواصلة في القرون اللاحقة، ففي القرن السابع عشر الهجري،
قام النباهنة بالاتصال بشرق افريقيا ولم يقتصر ذلك على حدود العودة ثانية الى عمان،
وانما البقاء ردحا من الزمن كلل بتزوج السلطان سليمان بن سليمان النبهاني (رابع
سلاطين النباهنة) من أميرة سواحلية هي ابنة اسحاق من سلالة الشيرازيين حكام كلوه،
نتج عن ذلك الزواج تنازل اسحاق (بحكم المصاهرة) للسلطان النبهاني القوي آنذاك عن
حكم كلوة وبذلك أصبح أول حكام آل نبهان في شرق افريقيا والذي استمر بعد ذلك متعاقبا
الى أن جاء اليعاربة، في القرون اللاحقة، وقد كان هدفهم أولا القضاء على فلول
البرتغاليين الغزاة.. وتتبع نفوذهم في شرق افريقيا، وذلك إما بطلب من أمراء
الأفارقة أنفسهم أو رغبة في تكوين امبراطورية عمانية تحققت فيما بعد إثر الدور
الحضاري الذي قام به اليعاربة هناك. وبعدهم البوسعيديون والمزارين الذين توسعت في
عهودهم أرجاء الامبراطورية العمانية زمانا من القرن السابع عشر وحتى العشرين
الميلادي ومكانا: من ممباسة الى كلوه الى بيمبا الى غيرها. راجع حدود ذلك المهجر:
كتاب "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار": لسعيد بن علي المغيري ط2 وزارة التراث
القومي والثقافة – سلطنة عمان (الفصل الثالث).
وقصدت بالمهجر الشرقي تمييزا عما يمكن أن يسمى: بـ "المهجر الشمالي" وهو المهجر
الذي اتجهت اليه ثلة من الأدباء والشعراء العمانيين في مرحلة التاريخ العماني
الوسيط، والمهجر الشمالي بالنسبة لأرض عمان مهجر خلقته ظروف تاريخية قديمة تمتد الى
فترة الهجرات الكبرى من الجنوب الى الشمال، والتي جاءت في اعقاب انهيار سد مأرب
وعمر أزد اليمن من خلاله مناطق كثيرة في شبه الجزيرة العربية كان من بينها عمان
نفسها وهي هجرات لم تتوقف واستمرت تحدث في موجات تاريخية متتالية كان أشهرها
الهجرات الثقافية والأدبية (الشعرية) الى البصرة حاضرة الحضارة العباسية. انظر
تفاصيل ذلك مدخل الى دراسة الأدب في عمان، د. أحمد درويش، ط1 دار الأسرة، مسقط، ص
28، وأيضا مقدمة عزالدين التنوخي: لديوان الشاعر سليمان بن سليمان النبهاني ط 6
المطبعة العمومية، دمشق 1965 1- 5ص 2. وكذلك: "العمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية
والمعرفية بشرق افريقيا" بحث لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، حصاد المنتدى
الأدبي لعام 1993، ص 1182 وما بعدها.
4- صدرت جريدة "النجاح" في مارس من عام 1911م، (1329هـ)، وهي صحيفة أسبوعية تصدر
كل خميس، وتعد أول صحيفة عمانية بالمعنى الحقيقي للصحافة التي تصدر في سلطنة
زنجبار، فقد أصدرها حزب "الاصلاح" ورفعت شعاره "النجاح لحزب الاصلاح". وعبرت عن
مباديء وأفكار أعضائه من العرب وغيرهم. تناوب على رئاسة تحريرها كل من الشيخ ناصر
بن سالم بن عديم ا لرواحي (أبو مسلم) والشيخ ناصر بن سليمان اللمكي، واستمرت في
الصدور حتى عهد السلطان خليفة بن حارب. انظر تفاصيل ذلك في "الاسهام العماني في
المجالات الثقافية والفكرية في العهد البوسعيدي" بحث للدكتور ابراهيم صغيرون ط 1،
جامعة عين شمس، مركز بحوث الشرق الأوسط، 1993، ص 9.
5- صدرت صحيفة النهضة عام 1949 م وهي صحيفة سياسية يغلب عليها طابع المقال
السياسي الهادف. أصدرها سيف بن حمود بن فيصل البوسعيدي وساهم في كتابة مقالاتها
أعضاء الجمعية العربية في زنجبار والمناطق المجاورة لها. لم تهادن الصحيفة الحماية
البريطانية في شرق افريقيا، ولذلك أوقفت وأمر المقيم البريطاني بإغلاقها عام 1953م
وفي عام 1954 أعاد اصدارها أحمد بن محمد بن ناصر اللمكي، واستمرت في الصدور حتى عام
1955، حينما أعيد اصدار جريدة (الفلق) بعد توقفها عام 1954.
– المرجع فوزي مخيمر: الصحافة العمانية نشأتها تطورها اتجاهاتها: بحث مطبوع على
الآلة الكاتبة مكتبة الباحث الخاصة، ص 55 وكذلك (الاسهام العماني في المجالات
الثقافية والفكرية)، د: ابراهيم مغيرون، حصاد المنتدى الأدبي 1993، ص 207.
6- صحيفة المرشد: أصدرها أحمد بن سيف الخروصي لتخاطب الذين يتحدثون باللغة
السواحلية وانتهجت نفس الخط في مهاجمة الحماية البريطانية للجزيرة، وعندما ظهرت
الأحزاب السياسية في زنجبار والجزيرة الخضراء انضم كتاب الصحيفة اليها. ظلت الجريدة
مستقلة تصدر بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والسواحلية، وذلك حتى عام 1954.
وأبرز كتاب "المرشد" سعود بن محمد الريامي وعلي بن محسن البرواني، والشيخ هاشل
المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي، (راجع تفاصيل ذلك فوزي مخيمر المرجع السابق ص 56)
وكذلك (بحث عبدالله بن سالم الحارثي: قراءة في الحضور العماني وتأثيره في شرق
افريقيا: جريدة عمان – الملحق الثقافي ليوم 23 مايو 1991، ص 12.
7- صحيفة الامة أصدرها حزب الأمة عام 1958م، أثر حصوله على مطبعة عربية من الصين
الشعبية واستمرت صحيفة الأمة في الصدور كلسان حال الحزب الى أن توقفت عام
1963م.
– المرجع: فوزي مخيمر – المرجع السابق ص 57.
8- استنادا الى ما تم الاخبار عنها وعرض لمحتوياتـها وفـق مضمونها في مجلة الفلق
عدد 8/ 4/ 1939م، والواضح في ذلك المقال أن رئاسة تحريرها موكلة لكل من: مدير معارف
زنجبار، والمستر هولنجسورث، والشيخ عبدالله بن محمد الحضرمي.
9- جريدة "الاصلاح" أصدرها الشيخ الأمين بن علي المزروعي ( 1891 – 1947)
باللغتين العربية والسواحلية وذلك بممباسة بكينيا في 22 شوال 1350هـ الموافق 29
فبراير 1932، ولقد جاءت "الاصلاح" استكمالا لمشروع الشيخ الأمين التنويري والذي كان
قد بدأه باصدار دورية سماها "الصحيفة" وذلك في 25 أكتوبر 1930. وعنيت "الصحيفة"
بالمسائل الدينية والاجتماعية والسياسية وتوافقت مع جهوده الاصلاحية في شرقي
افريقيا وبالأخص في (ممباسة)، إذ أنه اتسم بعقلية منفتحة وفكر وثاق استقاهما من
سلسلة قراءاته المتواصلة للتراث الفكري العربي، اضافة الى الصحافة والمجلات العربية
والدوريات التي تصل الى شرق افريقيا وبالأخص مجلة "المنار" التي يقوم بتحريرها محمد
رشيد رضا.
والاصلاح بطابعها الاصلاحي التنويري العام، كانت قد اتخذت من الآية القرآنية
الكريمة "ان أريد إلا الاصلاح ما استطعت" شعارا لها. كما استفتحت أعدادها الأولى
بمقتطفات من كتاب "حاضرة العالم الاسلامي" وعنيت بمقالات عديدة لأمير البيان "شكيب
ارسلان".
كما أنها كانت لسان حال مقالات "الشيخ المزروعي" الاصلاحية، فلقد كتب فيها عدة
مقالات تناولت موضوع الاسهام الحضاري للدولة الاسلامية في أوروبا، وأسباب تردي
وانحطاط المسلمين التي لخصها في بعدهم عن جذورهم الاسلامية وعاداتهم وهويتهم
العربية، كما تناول الهجمة الصليبية على أبناء المسلمين في المعاهد والمؤسسات
التعليمية القائمة على النظم الغربية، ودعى الى أهمية تضمين المناهج الدراسية
بمقررات تزود الطلاب والدارسين بالثقافة العربية الاسلامية وذلك لمواجهة تلك
التحديات".
انظر تفاصيل اطروحات الشيخ الامين بن علي المزروعي التنويرية /الاصلاحية، ومزيدا
عن صحيفة "الاصلاح" في كتاب: "تاريخ ولاية المزارعة في افريقيا الشرقية، تأليف
الأمين بن علي المزروعي ودراسة وتحقيق: د. ابراهيم صغيرون، ط 1، لندن 1995ص 72،
80.
10- جريدة (زنجبار) أشار اليها، الباحث عبدالله الحارثي في بحثه المعنون بـ
"الصحافة العمانية في زنجبار: قراءة في الحضور العماني وتأثيره في شرق افريقيا"
والمنشور في جريدة عمان في 23 مايو 1992 قائلا بأنها صحيفة تصدر باللغتين العربية
والسواحلية في آن واحد ومن الواضح أنها متوافقة في صدورها مع جريدة الفلق كما أكد
على وجودها الدكتور ابراهيم صغيرون في بحث عن الاسهام العماني في شرق افريقيا: ص
207.
11- راجع معجم مصطلحات الأدب، مجدي وهبة، ط 1، مكتبة لبنان بيروت 1974 ص 365وما
بعدها.
12- د. نقولا زيادة: ذكريات مع صحف قديمة: جريدة عمان بتاريخ. 31/10/1991 ص
12.
13- راجع معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية
السعودية، د. منصور الحازمي ط 2مطبوعات جامعة الرياض، 1974، ص 25 وما بعدها.
14- المد الحضاري وأثره في أدب الخليج،محسن الكندي، سلسلة مقالات جريدة عمان
1991م (الملحق الثقافي).
15- جهينة الأخبار: سعيد بن علي المغيري، المرجع السابق ص 13 1. 16- الاسهام
العماني في المجالات الثقافية والفكرية: د. ابراهيم صغيرون البحث السابق، ص
207.
17- ديوان ابي مسلم البهلاني، ط، القاهرة، ص 3.
18- ديوان ابي مسلم البهلاني، ص 113.
19- قصيدة (المؤتمر الاسلامي) ديوان ابي مسلم البهلاني، ط 1، تحقيق عبدالرحمن
الخزندار، القاهرة، 1986، 353، ويبلغ عدد أبيات هذه القصيدة أكثر من ثمانين
بيتا.
20- مجلة الهلال، حـ 10، 1 يوليو 1906، ص 571.
21- نقصد، هنا الدكتور ابراهيم صغيرون في بحثه السابق ص 210 فهو يرى أن أهمية
هذا البحث تأتي من كون الباحث ناصر بن سليمان اللمكي، من المعاصرين للأحداث في شرق
افريقيا، لذا جاء بحثه وفيه تصحيح للكم الهائل من الدراسات الأوروبية التي كرست
مفاهيمها ومناهجها لتشويه تاريخ العرب والمسلمين عامة في شرق افريقيا. كما أن مجلة
الهلال التي نشرت هذا البحث وأكدت أيضا على أهميته العلمية والموضوعية وأن القراء
بحاجة الى رسم صور للبطولة التي قام بها القائد العماني العربي حميد بن محمد
المرجبي في فتحه لبلاد الكونغو وبعض أصقاع افريقيا.
22- نذكر هنا تمثيلا ما أورده الشيخ سعيد بن علي المغيري في جهينة الأخبار في
تاريخ زنجبار: المرجع السابق، ص 159، عن تزيين السيوف بالأشعار ونقشها فيها: فقد
أهدى الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي عن مستعمرة (المرانم) سيفا الى ملك الألمان في
برلين مطرزا بصفائح من الذهب وقد كتب عليه:
لصاحبة السعادة والسلامة
وطول العمر ما ناحت حمامة
وعز دائم لا ذل فيه
وإقبال الى يوم القيامة
وعن تزيين الأشعار للحصون والقلاع، فقد أورد المغيري أمثلة من ذلك في قلعة
ممباسة، وهذه الأمثلة للشاعر محمد بن مسعود الصادقي وقد نظمها توثيقا لمسيرة جيوش
السلطان / سلطان بن سيف اليعربي الى (ويته)، والتي يقول في مطلعها:
كشفن عن تلك الوجوه الصباح
اذا زمت العيس ليوم المراح
وجئن يختلن يعاتبنني
يبسمن عن در كلون الأقاح
الى أن يقول:
كأنما القتلى بأرجائها
من فئة الافرنج صرعى طراح.
كأنهم اعجاز نخل بها
منقعر من عاصفات الرياح
ومن أمثلة هذا التزيين أيضا ما وجد في صفحتي سيف الامام محمد بن عبدالله الخليلي
من أبيات شعرية، نذكرها كالتالي:
إذا بدي حد هذا الصارم الذكر
فقل أعوذ برب الجن والجنس
الصارم الأخضر الغضب الذي ظهرت
للناس أسراره في سائر القصر
23- نورد هنا هذه الأسماء اختصارا، وأدوارها الحضارية مفصلة في بحثي سماحة الشيخ
أحمد بن حمد الخليلي والدكتور ابراهيم صغيرون السابقين وقد هدفنا الى عدم تفصيلها
تمشيا مع طبيعة منهج البحث وتركيزه على ظاهرة التنوير من خلال الصحف فقط لا بقية
المؤلفات. وهي لا شك كبيرة وتحتاج الى وقفات متأنية.
24- صدر كتاب "البوسعيديون حكام زنجبار" للشيخ عبدالله بن صالح الفارسي باللغة
الانجليزية ثم ترجمه للعربية محمد أمين عبدالله، ونشرته وزارة التراث القومي
والثقافة ضمن سلسلة تراثنا العدد 3 لعام 1982. والشيخ عبدالله بن صالح الفارسي من
أكثر العلماء تأليفا باللغة السواحلية، وقد تبوأ منصب قاضي قضاة، وأسهم بعدد وافر
من الكتب الدينية والثقافية التي لا تزال منتشرة في كل مناطق شرق افريقيا، وقد ركزت
كتبه على تفسير القرآن الكريم وبيان أحكامه، اضافة الى كتبه في التاريخ والفقه
نعددها في العناوين التالية:
1- تفسير القرآن الكريم.
2- سور قصار. المفصل من القرآن الكريم للقراءات في الصلوات.
3- تفسير بعض من السور القرآنية: سورة يس، وسورة الواقعة، وسورة الملك.
4- تاريخ السيرة النبوية.
5- تاريخ السيد سعيد بن سلطان، حاكم عمان وزنجبار.
6- تاريخ وتراجم بعض كبار علماء المسلمين في شرق افريقيا.
7- شعائر الصلاة.
8- شعائر الصوم.
9- أحكام الزواج.
25- جريدة الفلق: 6 مايو 1929 ص 2.
26- تشير الجريدة في أحد أعدادها الى ظاهرة سائدة في انتخاب أعضاء الجمعية
العربية وهي ظاهرة التصويت، فقد سجلت "الفلق" عدد أصوات المترشحين كأعضاء لمجلس
الإدارة، على النحو التالي: الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي (61) صوتا والشيخ مسعود بن
علي الريامي (44 صوتا) والسيد حافظ بن محمد البوسعيدي (40 صوتا) والشيخ محمد بن
سعيد البرواني (29صوتا) والشيخ هاشل بن راشد المسكري (31 صوتا) والشيخ محمد بن هلال
البرواني (36صوتا) والشيخ سالم بن محمد الرواحي والشيخ سعيد بن عبدالله الخروصي
(34صوتا) والشيخ سالم بن سليمان الحارثي والشيخ سليمان بن سعيد الرويحي (25 صوتا
لكل منهما) – انظر جريدة الفلق عدد السبت 14/8/1938.
27- انظر مظاهر تلك التصفية والأحداث في كتاب عمان وشرق افريقيا لأحمد بن حمود
المعمري، وفي كتاب صحافي ومدينتان: رحلة الى سمرقند وزنجبار لرياض نجيب الريس، ط 1،
لندن 1997، ص 313 وما بعدها. وكذلك في قصائد الشعر العماني الحديث أمثال: مرثية
زنجبار للشيخ خالد بن مهنا البطاشي، وقصيدة الشيخ عبدالله الخليلي نبأتا زنجبار
التي يقول فيها:
اخوتي اخوتي أنوما هنينا
وعلى زنجار أنياب فرس
غادة تستباح جهرا وشيخ
مستهان وباسل تحت رمس
ويتيم يبقى على أبويه
وغلام ترديه أحجار نكس
ورضيع يشقه العلج نصفـ
ين ويبقى بأمه كل ركس
وفتاة كأنها البدر سقيـ
مة تحت سييء الخلق نحس
وبيوت نهب ومال سليب
ووحوش تعدو بلا خوف حرس
ما لها ذمة تراعي ولا ديـ
ـن شيوعية حليفة رجس
حركتها يد الدخيل عليهم
من بريطانيا لأغراض نفس
(وحي العبقرية، ط 2، وزارة التراث القومي والثقافة، 1990، ص 247). وكذلك قصيدة
الشاعر السعودي حسن القرشي (زنجبار التي نقتطف منها المقطع التالي كتصوير للأحداث
التي وتحت في زنجبار بعد أن كانت قاعدة العروبة والاسلام في افريقيا الشرقية:
وفي موضع آخر من القصيدة ذاتها يقول: زنجبار
أي نار في فؤادي
زنجبار
أي يأس وانتحار
أي دمع
ذكرتني.. (ببلاط الشهداء)
لست آلوه انهمالا
يوم كنا في بلاد الغرب
وانهمارا
ينبوع ضياء
ذكرتني سطوة (الزنج)
على البصرة حينا
(ديوان حسن القرشي، ط 2، ج 2، دار العودة، بيروت، 1979، ص 273).
28- انظر مثال ذلك في عدد السبت 18 مارس 1929، ص 3، و31/12/1938م ص2.
29- تطلعنا الجريدة على دعوة صريحة تطلق من أجل ابتعاث الطلاب الى الخارج
لاستكمال درا ستهم وقد كانت تلك الدعوة موجهة بإلحاح شديد من أقلام جريئة من مثل
الأستاذ علي محمد الجمالي الذي كان أحد محرري الفلق، وقد كتب في عدد السبت 3/
12/1938م مقالا "حول البعثة الزنجبارية" يناقش فيها تلك الدعوة. وما المقال الذي
أبرزته صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم السبت 10/ 9/1938م. إلا نموذج واحد على
ذلك، كما أن الجريدة نفسها تسمى في عددها الصادر يوم 10 / 9/1938 أعضاء البعثة
الطلابية التي تدرس في العراق وهي تتكون من انجال المشايخ:
1- سلطان بن أحمد المغيري.
2- علي بن ناصر الاسماعيلي.
3- علي بن عيسى البرواني.
4- عبدالله بن حمد بن سيف الحاتمي.
ومن الجدير بالذكر أن هذه البعثة لم تكن وحيدة في مجال التعليم الحديث بزنجبار،
فقد سبقتها جهود الحكومة في رعاية وتوسيع رقعة التعليم في مختلف المناطق داخل
زنجبار وخارجها. وقد أورد الشيخ سعيد بن علي المغيري في كتابه "جهينة الأخبار في
تاريخ زنجبار" ص (208) نماذج لاهتمام سلاطين زنجبار بالتعليم وتنوعه لمواجهة
متطلبات النهضة التي شهدتها البلاد، مما دفعهم الى التفكير بابتعاث بعض الطلاب الى
أوروبا في فترة مبكرة من القرن الماضي، فها هو السيد ماجد بن سعيد سلطان زنجبار وفي
الفترة (1856- 1870).
كان عازما على ارسال بعثة طلابية تتكون من عشرين طالبا الى أوروبا (بريطانيا)
لتعليم الصناعات وسائر العلوم العصرية، لكن وفاته المبكرة أحالت بينها ومن ذلك
المشروع الحضاري الذي بقر حتى ارسال هذه البعثة الى العراق. والتي جاءت كمطلب حضاري
كما رأينا. كما أن "الفلق" نشرت عدة مقالات حول تلك البعثة بعنوان "زنجبار والعراق"
تشكل فيها حكومة جلالة الملك غازي (ملك العراق) على قبوله لتلك البعثة التعليمية –
انظر ذلك المقال في 3/9/1937، وكذلك مقال آخر بعنوان بعثات التعليم في زنجبار،
وأيضا مقال الى (معالي وزير المعارف العراقي/ نشر في 16/4/1938م.
30- قصيدة في وصف رحلة "وروروا" وتتكون من 29 بيتا، وهي للشاعر سعيد بن راشد
الغيثي، انظر نصها مثبتا في جريدة الفلق عدد السبت 25/2/1939.
31- جريدة الفلق: رواية الأحلام، دون نشر اسم المؤلف. ونشرت على مدار ست حلقات
في التواريخ التالية 15، 22، 29 /4/1929 – و6، 13،20/5/1939م.
32- جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار – سعيد علي المغيري، المرجع السابق، ص
263.
الشيخ سعيد بن علي بن جمعة المغيري المسكري، من أعيان عمان في القرن الرابع عشر
الهجري، وهو صاحب الكتاب الشهير "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار". ولد الشيخ سعيد
بعمان في فلج المشايخ بناحية جعلان سنة 1300هـ، نشأ وترعرع في كنف جده العلامة
الشيخ جمعة بن سعيد المغيري، الذي أرسله سنة 1323هـ الى الجزيرة الخضراء. وفي سنة
1351هـ عينته حكومة زنجبار عضوا في المجلس التشريعي فيها، ومنح وسام الكوكب الدري،
وفي 1356هـ حظي بمصاحبة السلطان خليفة بن حارب: سلطان زنجبار الى أوروبا لحضور حفلة
تتويج الملك جوربه السادس ملك بريطانيا، وحظي بالعديد من الأوسمة أشهرها وسام
(K.B.E) وعلى اثره عرف الشيخ سعيد بلقب (السير).
والشيخ سعيد من كبار مزارعي القرنفل،وجوز الهند في زنجبار والجزيرة الخضراء، وله
العديد من الأعمال الخيرية فيها كبناء المساجد والمدارس وتحديد الوقوفات لها من
ماله الخاص كما أقام الشيخ سعيد النصب التذكاري للسلطان سعيد بن سلطان وذلك في بلدة
"ويته" ومن بينها تذكار المدرسة السعيدية التي اشتركت في بنائها كل الطوائف
الاسلامية.
توفي رحمه الله في الجزيرة الخضراء سنة 1378هـ انظر مزيدا عن ترجمته الذاتية
ودوره الحضاري في، كل من زنجبار والجريدة الخضراء (بيمبا)في مقدمات كتابه "جهينة
الاخبار، ط1- 6، وزارة التراث القومي والثقافة ص 26، وكذلك دليل اعلام عمان ط 1 م 8
(موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب، 1991م، ص 81).
33- جريدة الفلق، عدد السبت 4 فبراير 1939م.
http://www.nizwa.com/%D9%85%D9%83%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87/